• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الذكاء السياسي: نحو آليات لإعادة التعاطف العربي مع القضية الفلسطينية

د. أماني القرم

الذكاء السياسي: نحو آليات لإعادة التعاطف العربي مع القضية الفلسطينية

«لا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، هناك مصلحة دائمة» هذه هي القاعدة الذهبية للسلوك السياسي لكلّ نظام يرغب في الاستمرارية في عالم لا يعترف أبداً بالمبادئ والحقائق. وما نشهده حاضراً وسمعناه تاريخاً من الطريقة التي تتغير بها التحالفات ما بين أمس واليوم وغدا هي الدليل على أنّ هذه القاعدة هي الثابت الوحيد في المتغيرات الدولية. وحيث أنّ كلّ نظام سياسي/ قوياً كان أو ضعيفاً/ يبحث عن وسائل وآليات مختلفة لضمان بقائه حيّاً، تتنوّع هذه الوسائل تبعاً لمقدار الذكاء السياسي الذي يتمتع به النظام. مع ملاحظة أنّ أخطر ما يواجهه النظام السياسي هو فقدان الشرعية والثقة به. وهناك فرق ما بين الذكاء والانتهازية السياسية، فالأوّل يضمن الاستقلالية وفي نفس الوقت الحصول على المنفعة، والثانية هي التبعية العمياء دون قراءة صحيحية لأوزان الجغرافيا والتاريخ.

الحالة الفلسطينية هي أشد ما تكون بحاجة ذكاء سياسي خلّاق، فالتحدّي الذي نواجهه وجودي بمعنى الكلمة لأنّنا فقدنا العديد من العناصر المغذية لاستمرارية القضية. وأبرز هذه العناصر هي الدعم العربي الشعبي والرسمي، ولا اتحدّث هنا عن الخطابات المجانية  في القمم العربية، بل عن الواقع الأليم الذي يجسّده نوم الزعماء ومللهم في نفس هذه القمم. والحقيقة إنّني لا اعتب عليهم على عكس الجميع، فالخطابات المكررة تبعث على الملل والملل يشعر بالنعاس!

تحدّث أبو مازن في القمة العربية في تونس عن إصرار الفلسطينيين على عدم تكرار أخطائهم السابقة، وعن الحاجة لتوفير شبكة أمان مالي تضمن استمرارية الصمود الفلسطيني. والحقيقة أنّ بقاءنا على استخدام نفس الوتيرة السياسية هو أمر خاطئ. فالمزاج العربي تغيّر وعليه يجب أن تتغير أساليب وأدوات السياسة الفلسطينية.  والهدف الأوّل يجب أن يكون كيفية إعادة إحياء القضية لدى الشعوب العربية وحكوماتها على السواء.

أوّلاً- تغيير الوجوه: بمعنى التوقف عن تكرار الشخصيات نفسها التي تحمل في جعبتها نفس إستيراتيجيات التواصل. لا مانع من حركة دبلوماسية تغييرية تحرك الجمود والبرود الذي أصاب التوجه العربي نحونا، تكون قادرة على التعامل مع شخوص القادة الجدد بأفكار مبتكرة. والحديث عن تضارب بعض المصالح مع بعض الدول هو أمر بائس لأنّ التوقف عن المحاولة يعني الخسارة. سبعون عاماً استمرت إسرائيل في محاولة اختراق الدول العربية ولم تيأس!

ثانياً- شخصيات مقدسية: القدس هي لب القضية الفلسطينية ومصدر الجذب العربي والإسلامي، وعليه فاختيار شخصيات مقدسية في المحافل المتعلقة ببحث قضية القدس هو الضرورة المنطقية. لأنّهم الأقدر على الحديث عن معاناة مدينتهم ومعيشتهم والأكثر ذكاء في تحديد مطالبهم.

ثالثاً- المكوّن المسيحي: وكنت قد كتبته من قبل وأُعيده مرّة أُخرى لشدّة أهميّته ودلالاته، فالمكوّن المسيحي هو جزء أصيل في القضية الفلسطينية وفي تدويلها خاصّة مع التداخل الديني مع السياسي ونهج الانفتاح الذي يغزو الهياكل السياسية في المنظومة العربية.

رابعاً- دبلوماسية المواطن: السلوك السياسي لم يعد يقتصر على الدول فقط، بل أحد أسباب فشله هو التغاضي عن دور المواطن في القدرة على التغيير. إبان محادثات السلام الفاشلة في عهد كلينتون اعترف دينيس روس بوجود قطعة مفقودة في عملية السلام وهي التركيز على الحكومات دون الشعوب. ولذا فإنّ توظيف المواطن ومنظمات المجتمع المدني في اتجاه تعزيز الثقة وتوطيد التواصل مع الشعوب العربية هو أمر بالغ التأثير في عصر سلطة التواصل الاجتماعي.

ليس سهلاً ما سبق وليس مستحيلاً، فالسمة المميزة للذكاء السياسي هي القدرة على التواصل والتصميم على إيجاد الحلول والشجاعة في تكرار المحاولة للوصول إلى شبكة الأمان المعنوي والمادّي التي نريدها!

ارسال التعليق

Top