• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

إرهاب اليمين المتطرف: سلوك انفعالي أم صراع حضاري

د. أسعد كاظم شبيب

إرهاب اليمين المتطرف: سلوك انفعالي أم صراع حضاري

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي نشر الكاتب الأمريكي الشهير هنتغتون كتابه (صِدام الحضارات)، وأشار فيه إلى إمكانية أن يشهد العالم بعد أفول خطر الشيوعية صِداماً بين طرفين أحدهما يمثّل القيم الغربية، والثاني يمثّل الأديان والإيديولوجيات الشرقية، كالأصولية الإسلامية والكونفوشسية الصينية، ممّا أثارت هذه الأطروحة رفض الكثير من الكتّاب، وقوبلت بتوجه نظري حضاري يؤكد على قيم الحوار والتعايش السلمي، ومنها دعوة محمّد خاتمي الرئيس الإيراني الأسبق.

وإذا كانت الخلافات السياسية والمصالح المتقاطعة تعد نقطة خلاف تحدّد شكل العلاقة التقليدية بين الدول، فإنّ بروز التيار اليميني المتطرّف في الدول الغربية الذي لديه توجه ديني محافظ وفوبيا من العقائد الدينية (الإسلامية) في الداخل الغربي إضافةً إلى سلوكيات عدوانية اتجاه الآخر المختلف أو ما يسمونه (بالغزاة) في إشارة إلى حضور المسلمين المتنامي في البلدان الغربية، وهو ما يذكّرنا بالسلوكيات العدوانية التي تبنتها التنظيمات السلفية الجهادية، وكما أنّ هذه التنظيمات صورت نفسها للآخر على أنّها المدافع عن المسلمين في التصدي لما تعدّه الهجمات الصليبية، يقابلهم متطرفي أحزاب اليمين في الدول الغربية الذين يحرضون ضد المسلمين كخطر يهدّد الديانة المسيحية كدين تقليدي في الدول الغربية.

وفي ضوء تصاعد إرهاب التيار اليميني المتطرّف ضد المسلمين في الدول الغربية بعد الهجرة الكبيرة من بلدان إسلامية تعاني من مشاكل أمنية وسياسية، هناك عدد من علامات الاستفهام منها عن حدود وغايات إرهاب التيار المتطرّف في الدول الغربية، فهل يعدّ شكلاً من أشكال التصادم الحضاري والديني أم أنّه ردة فعل انفعاليه؟

 يمكن الإجابة عن هذا الاستفهام عبر النقاط الآتية:

أوّلاً: المعتدي

هناك أفراد متعصبون ينتمون إيديولوجيا إلى التيار اليميني المتطرّف ومنهم الأسترالي برينتون تارنت (28 عاماً) منفذ الاعتداء على المصلين في نيوزلندا، وهو بالمعايير الإنسانية يعدّ شخصاً متعصّب دينياً، ينتمي إيديولوجيا إلى اليمين الغربي المسيحي المتطرّف، وهو تيار ديني وسياسي اجتاح الدول الغربية منذ فترة كنتيجة لانتشار ما يسميه الإعلام الغربي بالإسلام فوبيا، وساعدت موجات الهجرة من العالم العربي والإسلامي باتجاه الدول الغربية ببروز هذا التيار، لذا رأينا كيف أنّ الشخص المعتدي يحاول بفعلته الإجرامية أن يستذكر إرث الكراهية ويستحضر الذاكرة العدوانية (البطلة) وفي كُتيب له يتكون من (70) صفحة نشره قبل هجومه على المصلين، يستذكر شخصيات توصف من قبل أتباع التيار اليميني المتطرّف بأنّها أحيت المسيحية وحاولت طرد المسلمين من الدول الغربية.

 والملاحظ أنّ هناك جهل كبير بين الراديكالية الإسلامية وبين المسلمين، وأنّ التيار اليميني المتطرّف لا يريد الفصل بينهما، عموماً برز نفوذ التيار اليميني بصورة واضحة، وأصبح له حضور على مستوى المنافسة السياسية في عدد من الدول الغربية من خلال تمثيله ما بين أحزاب اليمين العنصري، واليمين الفاشي، واليمين الراديكالي، ليس فقط في دول أوروبا بألمانيا، وفرنسا، وهولندا، بل ودول شرق أوروبا، وبعض بلدان أوروبا الشمالية، وانعكس ذلك على النتائج الأولية لبعض الاستحقاقات الانتخابية التي جرت على مستوى معظم الدول الغربية مثل: الولايات المتحدة، السويد، النمسا، نيوزلندا، هولندا، سويسرا، الدنمارك، بريطانيا، استراليا وفرنسا وكُلِّل هذا الصعود بوصول دونالد ترامب إلى رئاسة أكبر الدول وأهمها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً في العالم؛ وهي الولايات المتحدة الأمريكية.

 وفي ضوء هذا الصعود حذر مراقبون من خطورة صعود تيار اليمين المتطرّف والسبب يرجع إلى الانغلاق والتحجر والمواقف العنصرية من القضايا المعاصرة، ولعلّ أهمّها موقف هذا التيار من المسلمين في الدول الغربية، لذا عد هذا التيار بأنّه يمثّل خطورة على مستقبل المسلمين في أوروبا إذ قد يمس وجودهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي داخل البلدان الأوروبية، بسلوكيات مختلفة منها تفنين القوانين التي قد تعود بالأضرار على المسلمين في أوروبا من حيث العنصرية والتسفير وإقصاءهم من الحياة الاقتصادية، ممّا يعطيها صبغة عنصرية، تتناقض مع حقوقهم الأساسية ومع المبادئ المعلنة لأنظمة الحكم الأوروبية، وهناك سلوك أكثر تطرّفاً وهو سلوك العنف والإرهاب، فشهدت عدد من البلدان الغربية حوادث مختلفة ولعلّ ليس آخرها الهجوم على المصلين في مسجدين في كرايست تشيرش في نيوزلندا والذي ذهب ضحيته أكثر من مائه إنسان بين قتل وجريح.

ثانياً: المُعتدى عليهم

وهم مجموعات بشرية يصنفون وفق المقاييس اللاهوتية والإيمانية بالمسلمين، ونتيجة لتصاعد الهجرة وانتشار الإرهاب، يواجهون في السنوات الأخيرة من قبل أتباع التيار اليميني المتطرّف أشكال مختلفة من العنصرية والرفض والتهديد بالطرد، لأسباب مختلفة منها: الديني والسياسي والاقتصادي، ولعلّ أخطر تلك الأشكال هو العنف، وهذا ما تمثّل بهجمات متعدّدة منها الهجوم الذي استهدف المصلين في نيوزلندا مع إقامة صلاة الجمعة، وهم كانوا عزل بالتأكيد، لكن المجرم المتطرّف أراد إيصال رسالته في الكراهية والتوحش، وهو بذلك يذكرنا باستهداف الإرهابيين والمجرمين من أعضاء التنظيمات السلفية التكفيرية (الجهادية) للمجموعات البشرية في المساجد والأسواق والمدارس، والطُّرُق. المُعتدى عليهم هم من ذات الفئة وهم العزل من الناس، المُعتدي يكاد يكون بذات الذهنية (الكراهية والتعصُّب الديني) الراسخة في أذهان الإرهابيين ممّن يصنفون على ملة الإسلام، وبالنتيجة مهما كانت حجج أتباع التيار اليميني المتطرّف من اتهام المسلمين بالإرهاب أو استهداف الدول الغربية أو ماشاكل ذلك، فلا يبرر الأفعال الإرهابية التي تتبناها التنظيمات السلفية ضد الآخر المختلف، وبالتالي فهو ليس من قيم الدِّين الإسلامي كالدِّين الإلهيّ، وأيضاً سلوكيات أتباع التيار اليميني المتطرّف لا تعبّر عن قيم وأخلاقيات الدِّين المسيحي، ولا عن آراء ومواقف المجتمعات في الدول الغربية، وهي مجتمعات قامت حديثاً على قيم إنسانية واحترام حقوق الإنسان.

ثالثاً: تداعيات اعتداءات متطرفي التيار اليميني

من دون شكّ، أنّ هذا الاعتداء ما هو إلّا نتيجة لموجة الكراهية، والإرهاب، والتعصُّب الديني، الذي ضرب العالم في العقد الأخير من هذا القرن، وإنّها افتراض عملي لما راهن البعض عليه من أنّ التطرّف الأصولي (الديني - الديني)، و(الإيديولوجي - الإيديولوجي) قد انتشرت عدواه بفعل التطوّر التكنولوجي ممّا جعله تهديداً حقيقياً لقيم التعايش السلمي بين المجتمعات المتعدّدة دينياً وحضارياً. لكن إلى الآن لم يعد هذا الشكل من العنف بالرغم من توظيفاته الدينية والإيديولوجية شكلاً من التصادم الحضاري، لكونه في الأغلب لا يزال ينحصر في إطار حوادث الكراهية والعنصرية المعزولة وهي ممقوتة من قبل أغلب الناس وهذا ما لاحظناه من حجم التضامن الذي أبداه الغربيون بمختلف دياناتهم ومنظوماتهم الفكرية والحضارية ومواقعهم الشعبية والرسمية، مثلما شاهدنا قبل هذا حجم الإدانة للعمليات الإرهابية التي طالت المدنيين في العراق ودول أُخرى.

 لكن هناك تيارات قد أبدت تفاعلها مع هذه العمليات للصلة الفكرية والإيديولوجية التي تربط الجانبين، وبتصوري فإنّ هذا التيار (الأصولي الإسلامي السلفي الجهادي) ويقابله (الأصولي المسيحي اليمني المتطرّف) الذي يبارك هكذا أعمال يمثّل أهم أوجه مغذيات العنف والإرهاب، وكلا الطرفين يستخدمان الهجمات الإرهابية التي تطال المدنيين العزل في استقطاب العامّة من الناس عبر نشر ثقافة الكراهية والعنف بصورة ضدية.

ارسال التعليق

Top