• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي

التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي

◄مفهوم التخطيط الاستراتيجي:

التخطيط من الوظائف القيادية والمهمة في الحياة، والتي تقع على عاتق القيادة بوجوب النهوض به كوظيفة أساسية ولا تنتهي هذه الوظيفة إلّا بتحقيق الهدف من خلال النشاطات التي تعمل على تنفيذ الخطط، والبرامج في الحياة العملية.

وعملية التخطيط تشتمل على عدد من الخطوات المنطقية هي:

1- التحديد المسبق للأهداف المراد الوصول إليها.

2- وضع السياسات والقواعد التي نسترشدها في اختيار الأسلوب الهادف.

3- وضع واختيار بديل من بين عدة بدائل متاحة لتنفيذ الهدف المطلوب، وتحديد الإمكانات اللازمة لتنفيذ هذا البديل.

4- تحديد كيفية توفير الإمكانات غير المتاحة.

5- وضع البرامج الزمنية اللازمة لتنفيذ الهدف والتي تتناول تحديد النشاطات اللازمة لتحقيق الهدف، وكيفية القيام بهذه النشاطات والترتيب الزمني للقيام بهذه النشاطات، ثم تحديد المسؤولية عن تنفيذ هذه النشاطات.

 

أهمية التخطيط:

إنّ العمل بدون خطة يصبح ضرباً من العبث وضياع الوقت سُدى، إذ تعمّ الفوضى والارتجالية ويصبح الوصول إلى الهدف بعيدَ المنال.

وتبرز أهمية التخطيط أيضاً في توقعاته للمستقبل، وما قد يحمله من مفاجئات وتقلبات، حيث إنّ الأهداف التي يُراد الوصول إليها هي أهداف مستقبلية.

أي أنّ تحقيقها يتم خلال فترة زمنية محددة قد تطول وقد تقصر، مما يفرض على أي إنسان عمل الافتراضات اللازمة، لما قد يكون عليه هذا المستقبل وتكوين فكرة عن ما سيكون عليه الوضع عند البدء في تنفيذ الأهداف، وخلال مراحل التنفيذ المختلفة.

والتخطيط ينطوي على كثير من المزايا يُمكن إيجازها فيما يلي:

1- يساعد التخطيط على تحديد الأهداف المُراد الوصول إليها، بحيث يُمكن توضيحها للناس مما يسهل تنفيذها.

2- يساعد التخطيط في التنسيق بين جميع الأعمال على أساس من التعاون، والانسجام بين الأفراد مع بعضهم البعض، وبين الإدارات المختلفة ما يحول دون حدوث التضارب، أو التعارض عند القيام بتنفيذ هذه الأعمال.

3- يساعد التخطيط على تحديد الإمكانات المادية والبشرية اللازمة لتنفيذ الأهداف.

4- يُعتبر التخطيط وسيلة فعّالة في تحقيق الرقابة الداخلية والخارجية على مدى تنفيذ الأهداف.

5- يحقق التخطيط الأمن النفسي للأفراد والجماعات، ففي ظل التخطيط يطمئن الجميع إلى أنّ الأمور التي تهمهم قد أخذت في عين الاعتبار.

6- يتناول التخطيط محاولة توقع أحداث مما يجعل الإدارة في موقف يسمح لها بتقدير ظروف في ذلك المستقبل، وعدم ترك الأمور للمفاجآت غير المتوقعة.

7- يساعد التخطيط على تحقيق الاستثمار الأفضل للموارد المادية والبشرية، مما يؤدي إلى الاقتصاد في الوقت والتكاليف.

8- يساعد التخطيط في تنمية مهارات وقدرات الذات عن طريق ما يقومون به من وضع للخطط والبرامج العملية.

 

مقومات التخطيط:

تتضمن عملية التخطيط عدداً من المقومات الأساسية وتتمثل في تحديد: (الأهداف، التنبؤ، السياسات، البرامج، الإجراءات، وأخيراً بلورة طرق العمل ونقصد به الوسائل الممكنة).

أوّلاً- الأهداف:

الأهداف هي النتائج المطلوب تحقيقها في المستقبل، إذا كان المطلوب هو تحقيق هذه النتائج في المستقبل البعيد فإنها تُسمى غايات وأهدافاً استراتيجية.

أما إذا كان تحقيقها في الأجل القصير، فإنّها تسمى أهدافاً تكتيكية.

العوامل الواجب توفرها في الأهداف:

1- درجة الوضوح: وضوح الهدف يحقق مجموعة من المزايا هي:

·      المساعدة على توحيد جُهود الجماعة لتنفيذ الأهداف.

·      مساعدة إدارة المنظمة في القيام بوظائفها الأخرى.

·      المساعدة على تنسيق العمل بين الأفراد، والإقسام بشكل واضح ومحدّد.

2- القناعة بالهدف: كلما زادت قناعة العاملين بالهدف كلما كانت درجة حماس العاملين نحو تحقيق الأهداف عالية.

3- الواقعية في الهدف: والواقعية في الهدف تقوم على الأسس التالية:

·      أن يكون الهدف المُتوقع الوصول إليه ممكناً، وليس شيئاً مستحيلاً.

·      أن تتوفر الإمكانات المادية والبشرية بدرجة تساعد على تحقيق الهدف.

·      أن يكون الهدف مُعبّراً عن حاجات العمل وموجّهاً إلى تحقيقها، كما هو الحال بالنسبة لرغبات وحاجات العاملين، ويعمل على إشباعها.

4- التناسق والانسجام: يجب أن تكون الأهداف الموضوعة متناسقة مع ببعضها البعض بحيث يسهل تنفيذها.

5- مشروعية الهدف: يُقصد من مدى ملاءمته للقيم، والمثل، والتقاليد المرعية في المجتمع، وكذلك مراعاته للأنظمة، واللوائح، والسياسات الحكومية المعمول بها.

6- القابلية للقيام: إنّ وجود مقاييس للأهداف يتيح للإدارة التأكد من مدى تحقيق أهدافها، وهل يتم التنفيذ وفقاً لما هو مخطط له أو أنّ هناك انحرافات في الأداء.

·      وقد تخضع الأهداف للمقاييس التالية:

1- مقياس زمني: أي تحديد فترة زمنية محددة لإنهاء العمل المطلوب.

2- مقياس كمي: أي تحديد الكمية التي يُراد تنفيذها خلال فترة معينة.

3- مقياس نوعي: وهو تحديد النوعية التي يجب أن تظهر عليها الأداء خلال فترة التنفيذ.

ثانياً- التنبؤ:

التنبؤ نشاط ذهني مرتبط بوجود النشاط الإنساني، وهو نتيجة لارتباط النشاط الإنساني بعنصر الوقت ويعرف التنبؤ بأنّه التوقع للتغيرات التي قد تحدث مستقبلاً والتي قد تؤثر بأسلوب مباشر، أو غير مباشر على النشاط.

الأمور التي يجب أن تُراعى في التنبؤ:

1- أن يكون التنبؤ دقيقاً قدر الإمكان.

2- أن تكون البيانات والمعلومات التي يعتمد عليها التنبؤ حديثة.

3- أن يكون التنبؤ مفيداً، أي يمكن استخدامه في حل المشكلات.

4- أن يكون واضحاً.

ومهما كان التنبؤ دقيقاً فلن يصل إلى حد الصحّة الكاملة في جميع الأمور.

ثالثاً- السياسات:

هي مجموعة المبادئ والقواعد التي تحكم سير العمل والمحددة سلفاً بمعرفة وخبرة والتي يسترشد بها الناس في المستويات المختلفة عند اتخاذ القرارات، أو التصرفات المتعلقة بتحقيق الأهداف، وهناك فرق بين السياسة والهدف؛ فالهدف هو ما نريد تحقيقه، أما السياسة فهي المرشد لاختيار الطريق الذي يوصل للهدف.

وتعتبر السياسات بمثابة مرشد للأفراد في تصرفاتهم وقراراتهم داخل المجتمع، فهي تُعبّر عن اتجاهات في تحديد نوع السلوك المطلوب من جانب الأفراد أثناء أدائهم لأعمالهم.

ويرتبط التخطيط بالسياسة؛ وذلك لأنّ التخطيط غالباً ما يكون نتيجة التغيير في السياسات، أو نظم العمل، أو الإجراءات، وذلك بقصد الوصول إلى الهدف المنشود بأحسن الوسائل وبأقل التكاليف.

رابعاً- الإجراءات:

وهي بمثابة الخطوات والمراحل التفصيلية التي توضح أسلوب إتمام الأعمال، وكيفية تنفيذها، والمسؤولية عن هذا التنفيذ الفترة الزمنية اللازمة لإتمام هذه الأعمال.

خامساً- تدبير الوسائل والإمكانات:

إنّ الأهداف الموضوعة والسياسات والإجراءات المحددة لتنفيذ هذه الأهداف، لا يُمكن أن تعمل دون وجود مجموعة من الوسائل والإمكانات الضرورية مُترجمة هذه الأهداف إلى شيء ملموس ضرورية للأعمال وتحقيق الأهداف.

المعايير التي يجب مراعاتها عند تحديد رسائل الخطة وإمكاناتها:

1- الدقة في تحديد الاحتياجات.

2- الواقعية: يجب أن تراعى الخطة، وتراعى الإمكانات الفعلية والمتوفرة في حينها.

3- تحديد المصدر: يُفضّل أن يقوم المخطط بتحديد المصدر الذي سوف يستعين به في توفير احتياجات الخطة، سواء كانت احتياجات مادية أم بشرية.

4- الفترة الزمنية.

العوامل والاعتبارات التي يجب مراعاتها عند وضع الخطة:

1- الوضوح.

2- المرونة.

3- المشاركة في وضع الخطة.

4- مراعاة الجانب الإنساني: يجب على المُخطط عندما يضع الخُطة أن يتذكر دائماً أن يتعامل مع عنصر بشري؛ ذلك أنّ التنفيذ يتم بواسطة أفراد لهم مجموعة من العواطف والمشاعر والاستعدادات، ولهم دور بارز في إتمام العمل.

5- دقة المعلومات والبيانات: إنّ البيانات الصحيحة والمعلومات الدقيقة هي الأساس الذي تُبنى عليه الخطة على أساسها فيتم تحديد الإمكانات للخطة، من النواحي السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية كافة.

 

معوقات التخطيط:

1- عدم الدقة في المعلومات والبيانات.

2- اتجاهات العاملين كثيراً ما تحدث اتجاهات سلبية نحو الخطة أثراً كبيراً في عرقلة مسيرتها.

3- عدم صحّة التنبؤات والافتراضات.

4- إغفال الجانب الإنساني يؤدي إلى تجاهل الخطة للعامل الإنساني إلى مقاومة هؤلاء العاملين للخطة، ووضع العراقيل في طريق تنفيذها مما قد يؤدي إلى فشلها في تحقيق هدفها.

5- الاعتماد على الجهات الغريبة في وضع الخطة.

6- القيود الحكومية.

7- عدم مراعاة التغيير في الواقع.

8- أسباب متعلقة بعدم مراعاة إتباع خطوات التخطيط.

وكلّ هذه الخطوات والبرامج حتى تصل إلى إرادة وتجربة قوية في الفكر، والتطبيق، ويُعتبر الفكر الإسلامي عموماً فكراً استراتيجياً في التفكير، وحتى في إصدار الأحكام حيث يهتم اهتماماً بالغاً بالمقاصد الشرعية، وقضية التوازن بين المصالح والمفاسد وقضية اعتبار المصالح وغيرها من أساسيات الفكر الإسلامي.

والنظرة الاستراتيجية هي رحلة مُمتعة تمر بمراحل ومحطات تسلم كلّ واحد منها إلى الأخرى، إلى أن تنتهي الرحلة في النهاية وقد تم تحقيق الفوز وتحقيق الهدف المطلوب.

وهذه النظرة والأفق الاستراتيجي يجعل الإنسان يسير على توافق ذاتي في الحياة للوصول للمطالب والنتائج المفيدة في المستقبل.

والتخطيط الاستراتيجي هو وضع الاختيارات، فهو عملية تهدف لدعم القادة لكي يكونوا على وعي بأهدافهم ووسائلهم.

وأهم خصائص التخطيط الاستراتيجي:

1- تتضمن أفضل اختيار للظروف التي تشكل بيئة واعية وفاهمة.

2- التخطيط الاستراتيجي وسيلة للتفكير والتصرف:

فالعقلية الإدارية هي عقلية معنية بتحقيق الأهداف وبذلك فهي لا تحصر نفسها في التفاصيل كما أنّها تقبل الالتزام بالتخطيط للمستقبل، ولا تكتفي بالانشغال بالوضع الذي تقف فيه حالياً وحسب.

فيُمكن تعلمها والتأكيد عليها بالمُمارسة؛ لأنّ العقل الاستراتيجي يتواكب مع التغيير، فهو ينتقل سريعاً من المشكلة إلى وصف العلاج الناجع له فهو يسعى للقيام بالتغيير.

3- التخطيط الاستراتيجي عملية مستمرة وعائدة، فلا يُمكن أن تكون جهود الخطط الاستراتيجية بمثابة نشاط لفترة زمنية واحدة لها بداية ونهاية، بل يجب أن تكون عملية مستمرة تتراكم فيها الخبرات ويتم تطويره.

ولكي تتحوّل الاستراتيجية إلى خطة تفعيلية حقيقية تتحوّل الطموحات طويلة الأمد إلى أهداف سنوية، ولابدّ من اتصال الأهداف التشغيلية السنوية والموضوعية بشكل جيد وواضح ومحدد؛ حيث يتم ارتباطها المنطقي مع الأهداف الاستراتيجية.

 

الخلاصة:

عملية التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي تجعل الإنسان له آفاقاً كبيرة جداً في حياته، وتجعل له تجربة عملية يستطيع من خلالها حل المشاكل، والأزمات التي يصادفها في حياته خاصة عند تعامله مع المجتمع، وخطوات البرنامج الاستراتيجي لها فائدة كبيرة في التطوير الذاتي، وفي تطبيق الخطط التي تحقق الارتقاء المهاري للإنسان.

والتنفيذ الاستراتيجي عملية تتطلب بذل المزيد من الجهود، فهي تتطلب بذلك مجهوداً فكرياً، وكثيراً من الانضباط والالتزام؛ حيث تصل إلى أعلى قمة في الفكر والنظرة الاستراتيجية في الحياة.

والعقل الاستراتيجي يتواكب مع التغيرات والتحديات التي تطرأ على الإنسان، وتصادفه فهو ينتقل سريعاً من المشكلات إلى وصف العلاج لها، فهو يسعى جاهداً للقيام بالتغيير بأسرع وقت ممكن.

والتخطيط الاستراتيجي: هو عملية منتظمة، ودقيقة حيث تدعو لاتباع عملية ثم هيكلتها كما أنّها تعتمد على البيانات الواضحة والمنتظمة.

فإذا استطاع الإنسان أن يُنظم برنامجاً وخطة استراتيجية وداوم على تفعيلها في حياته وبذل كلّ الخطوات فإنّه سوف يصل إلى تحقيق أهدافه، وآماله في المستقبل مهما كانت التحديات والعوائق، فالتخطيط الاستراتيجي من أهم الأسرار في بناء المستقبل.

فقوّة الهدف تتحقق مع قوّة التخطيط والتنفيذ الاستراتيجي.►

 

المصدر: كتاب طريق الإرادة إلى مستقبل السعادة

ارسال التعليق

Top