• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

كيف نستعيد ذاكرتنا القوية؟

كيف نستعيد ذاكرتنا القوية؟

الدماغ مثله مثل بقيّة أعضاء الجسم، يحتاج إلى الغذاء المناسب، العناية والتمرين الذهني والفيزيولوجي. وإذا قصّرنا في واجباتنا هذه تجاهه، لن يكون في وسعنا فتح ملفّات الذكريات كافة، التي يختزنها في تلافيفه.

لاحظ العلماء أنّ المنطقة المسؤولة عن بناء الذكريات في الدماغ، والتي تحمل اسم "قرين آمون"، تفقد خمساً في المئة من خلاياها العصبية مع كلّ عقد يمر في حياتنا. كذلك تبيّن لهم أن عملية إنتاج الـ"أسيتلكولين"، وهو ناقل عصبي أساسي وحيوي للتعلُّم والذاكرة، تتراجع مع التقدم في السن. وانطلاقاً من هاتين الحقيقتين، استنتج هؤلاء أنّ القدرات الذهنية تصل إلى ذروتها في مقتبل حياة البالغين، ثمّ تبدأ في الانحدار والتدهور بعد ذلك. غير أننا شهدنا في العقود الماضية العديد من الأبحاث، التي أظهرت أن أدمغة البالغين تتميّز بالمرونة العصبية، وتظل قادرة على إنتاج شبكات عصبية جديدة. وهذا يعني أننا نظل جميعاً قادرين، مع بعض الجهد، على تعزيز قدرتنا على التذكُّر مهما كانت أعمارنا.

وويقول المتخصص البريطاني في القُدرات الذهنية طوني بوزان، إنّ تراجُع قدرة الذاكرة مع التقدم في السن ليس أمراً حتمياً، وأن سببه يعود فقط إلى إهمال ذاكراتنا، تماماً مثلما نُهمل أجسامنا. فنحن نُطعمها الأطعمة غير المناسبة، ولا نُمرّنها، ولا نُدرّبها على استحضار الذكريات. ثمّ نتساءل بعد ذلك، لماذا تضعف ذاكراتنا، ولماذا ننسى بسرعة؟

أما أبرز ما يمكن القيام به لتقوية الذاكرة فهو:

 

1-    اعتماد النظام الغذائي المناسب:

يقول المتخصص الأميركي في مسائل الذاكرة الدكتور جاري سمول، إنّ هناك أطعمة مُعيّنة مفيدة لتقوية الذاكرة، وأبرزها المنتجات الطبيعية الغنية بمضادات الأكسدة، مثل الخضار والفواكه ذات الألوان الساطعة، التي تحمي الدماغ من الجزيئات الحرّة الضارّة، إضافةً إلى البقوليات، المكسّرات والسمك. كذلك ينصح بتناول الأطعمة ذات مؤشر التحلون المنخفض، مثل الشوفان، إضافة إلى كل الأطعمة التي تحتوي على أحماض "أوميغا/ 3" الدهنية. والواقع، إنّ إحدى الدراسات الحديثة التي نُشرت في مجلة "علم الأعصاب" الأميركية، وجدت أن أدمغة الأشخاص الذين تنخفض لديهم مستويات أحماض "أوميغا/ 3" الدهنية، تبدو وكأنّها أدمغة أشخاص أكبر سنّاً منهم بسنتين.

ويؤكد سمول، أن أحماض "أوميغا/ 3" الدهنية، هي مكوّن أساسي في أغلفة الخلايا الدماغية، ودورها في تركيب الخلايا يُحسّن أداء الذاكرة. وهو ينصح بالتخفيف من تناول اللحوم، ذلك أن أحماض "أوميغا/ 6" الموجودة في المنتجات الحيوانية، يمكن أن تُسبّب التهابات في الدماغ، وهي أواليّة تلعب دوراً بارزاً في الإصابة بمرض الـ"الزهايمر". كذلك من الضروري التخفيف من تناول السكاكر والكربوهيدرات المكرَّرة، التي تُعتبر عاملاً مُسبّباً أيضاً لمثل هذه الالتهابات. وفي المقابل نجد أن أحماض "أوميغا/ 3" المتوافرة في الأسماك الدهنية. والجوز وبذور الكتّان، هي من أبرز العوامل المكافحة للالتهابات. وتساعد مجموعة فيتامينات (B) الجسم على استخدام هذه الأحماض الدهنية، وعلى إيصال الأكسجين إلى الدماغ، وتَقيه تأثيرات الجزيئات الحرّة الضارّة، وتساعد على تحفيز الحواس وتقوية الذاكرة. لذلك، يجب الحرص على تناول الأطعمة الغنية بها، مثل الفاصولياء والحبوب الكاملة. وينصح سمول أيضاً بتناول الشاي الأخضر، الكركم والزنجبيل.

من جهة ثانية، أظهرت الأبحاث، أن نقص الحديد يؤثر سلباً في الأداء الذهني بما في ذلك القدرة على التذكُّر. ويعود ذلك إلى أن نقص الحديد يُسبّب انخفاضاً في مستويات الـ"هيموغلوبين"، الذي يؤثر بدوره في تزويد الدماغ بالأكسجين. كذلك، فإنّ الحديد يلعب دوراً مهمّاً في نقل الإشارات العصبية في الدماغ. من هنا ضرورة تناول الأطعمة الغنية بالحديد، مثل: ثمار البحر، المكسرات وبذور اليقطين، البقوليات، الحبوب الكاملة، والخضار الورقية الخضراء والكبدة واللحم. كذلك، فإن نقص الزّنك المتوافر في أصداف البحر، اللحوم، الفستق، يمكن أن يؤثر سلباً في الذاكرة.

 

2-    ممارسة الرياضة:

تُسهم الرياضة في زيادة عدد الخلايا الجديدة في منطقة "قرين آمون" الدماغية، المسؤول الرئيسي عن خلق ذكريات جديدة. كذلك فإنّ الرياضة تُعزز انسياب الدم إلى أنحاء الجسم كافة، بما فيها الدماغ، ما يُسهم بدوره في الإبقاء على الذاكرة قوية.

وكان البحّاثة في "جامعة كاليفورنيا" الأميركية، قد أظهروا أن ممارسة ولو القليل من التمارين الرياضية، يُمكن أن يعطينا الكثير من الفوائد الذهنية. ففي إحدى التجارب قسّموا المشاركين مجموعتين، قامت المجموعة الأولى بركوب الدراجة الثابتة لمدة 6 دقائق، بينما جلس أفراد المجموعة الثانية من دون القيام بأي نشاط. وتَبيّن بعد ذلك أنّ المجموعة التي نشطت بدنياً، أحرزت في اختبار للذاكرة، الذي خضعت له، نتائج أفضل بشكل ملحوظ من نتائج المجموعة الثانية. ويعتقد البحّاثة، أن ذلك يعود إلى مادة الـ"نوريبينيفرين" الكيميائية الطبيعية، التي يُفرزها الدماغ بفعل ممارسة الرياضة، وهي مادة تؤثر إيجاباً في الذاكرة.

ويقول سمول: إنّ الرياضة هي أفضل حليف للذاكرة على الإطلاق. فهي قادرة على زيادة حجم الدماغ، ما يؤدي بدوره إلى زيادة قدرته على التذكّر. وهو ينصح بتخصيص ثلث ساعة على الأقل يومياً لممارسة المشي السريع. وينصح الخبراء أغلبية البالغين بممارسة الرياضة لمدة 150 دقيقة في الأسبوع من التمارين، معتدلة القوة، مثل المشي السريع، أو 75 دقيقة من التمارين ذات الوقع القوي مثل الهرولة، والأفضل توزيعها على أيام الأسبوع. ويمكن لمن لا يملك الوقت الكافي لذلك، أن يُدخل 10 دقائق من المشي السريع يومياً في روتين حياته.

 

3-    التحفيز الذهني:

يؤكد المتخصص في العلوم العصبية والذاكرة الأميركي البروفيسور جوليان كيث، أنّ الأشخاص الذين يواظبون على تحفيز أنفسهم بتحديات ذهنية جديدة، يحافظون على ذاكرتهم بشكل أفضل من الآخرين الذين لا يفعلون ذلك. ومن جهته يقول أستاذ علم النفس في "جامعة دبلن" إيان روبرتسون، إنّ وضع الدماغ أمام تحديات جديدة، يساعد على بناء وصلات أفضل بين خلايا الدماغ ويُحسّن أداء هذه الخلايا لوظائفها. والتحديات الجديدة كثيرة ومتنوعة، يمكن مثلاً تَعلُّم العزف على آلة موسيقية، أو تعلُّم لغة جديدة، أو قراءة كتب تتطلب التركيز، وحل الكلمات المتقاطعة والأحجيات الأخرى، أو حتى القيادة في طُرقات غير التي نأخذها عادةً. كذلك فإن وجودنا في محيط يتميّز بكثرة المحفّزات الحسّية مثل المشاهد، الروائح، الأصوات يُفيد الدماغ أيضاً ويغذيه. فالتغيير يُعتبر واحداً من أبرز العوامل التي تساعد الدماغ على تحقيق تقدُّم في أداء وظائفه، لاسيّما التذكُّر. وكانت إحدى الدراسات السويدية قد أظهرت أنّ البالغين الذين يتعلمون لغة جديدة ينجحون في تحسين قدراتهم على تذكر أسماء الأشخاص، والأمور الأخرى بشكل ملحوظ. ويقول البحّاثة، إنّ أي نشاط جديد نقوم به بعناية واجتهاد، مثل الحياكة أو العزف يتمتع بتأثير إيجابي مُشابه.

 

4-    تعزيز الحياة الاجتماعية:

من المعروف أنّ العلاقات والتفاعُلات الاجتماعية تساعد على الوقاية من الاكتئاب والتوتر، وكل منهما قد تسهم في إضعاف الذاكرة. لذلك، من المهم الحفاظ على حياة اجتماعية جيدة، والالتقاء بشكل متواصل مع أفراد العائلة والأصدقاء، خاصة بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعيشون بمفردهم. ولا يجب أن نعتذر عن تلبية الدعوات التي تُوجَّه إلينا للمشاركة في مختلف المناسبات. ومن المفيد أيضاً، الانخراط في جمعيات تقوم بأعمال تطوّعية في المدارس أو المنظمات الخيرية.

 

5-    التنظيم والترتيب:

ليس مستغرباً أن تزداد إمكانية نسيان الأشياء إذا كانت الفوضى تعم منزلنا، وكانت أوراقنا مبعثرة في كلّ مكان. وما يفيد كثيراً في التذكر هو تدوين المهمات، المواعيد والمناسبات الأخرى على مفكرة ورقية أو إلكترونية، أو على روزنامة. ويُستحسن عند تدوين الملاحظة أن نرددها بصوت مسموع، فمن شأن ذلك أن يساعد على تركيزها في الذاكرة. وعلينا الإبقاء على هذه اللائحة في متناول اليد، وشطب الأشياء التي ننفذها منها، إضافةً إلى تخصيص أمكنة مُحدّدة ثابتة للمفاتيح، المحفظة وغيرها من الأشياء التي نستخدمها يومياً.

 

6-    تجنب القيام بأمور عديدة في الوقت نفسه:

إذا ركّزنا على المعلومة التي نحاول أن نتذكرها، تزداد إمكانية تذكرنا لها لاحقاً. ويقول البروفيسور مارك ماكدانيال، أستاذ علم النفس والباحث في شؤون الذاكرة في "جامعة واشنطن"، إن أحد الأسباب التي يعجز بسببها الناس عن تذكر أين وضعوا مفاتيحهم، هي أنهم لا يكونون منتبهين أثناء وضعها. وهو يقترح أن نقول عندما نضع المفاتيح بصوتٍ عالٍ: سأترك مفاتيحي على الطاولة الصغيرة أو في الدرج الثاني. وتُظهر الدراسات أن تثبيت معلومة في الذاكرة يحتاج إلى 8 ثوانٍ. لذلك، فإنّ التركيز التام على المهمة التي نقوم بها أمر أساسي لتذكرها لاحقاً.

 

7-    النوم لمدة كافية:

أظهر البحاثة في "جامعة بنسلفانيا"، أن مجرد خسارة نصف ليلة من النوم المريح، أي ما بين 3 و4 ساعات، يمكن أن يُلحق اضراراً كبيرة بالذاكرة. وكانت دراسة نشرتها مجلة "علم الأعصاب" الأميركية، قد أفادت أن أفضل طريقة طبيعية للتخفيف من تراجُع قدرة الذاكرة لدى البالغين الذين يتقدمون في السن، هو تحسين نوعية نومهم وإطالة مدّته. فخلال النوم العميق ليلاً لمدة 8 ساعات أو أكثر، يقوم الدماغ بنقل الذكريات من التخزين المؤقت إلى التخزين طويل الأمد. فالنوم يلعب دوراً مهماً في تثبيت الذكريات، ما يُمكّننا من استرجاعها لاحقاً.

 

8-    الاستعانة بالجينكو:

يمكن تناول قرص مُكمّل من نبتة الجينكو (Ginkgo Biloba)، فهي تساعد على تعزيز قدرة الذاكرة عن طريق زيادة سيلان الدم، وتمديد الأوعية الدموية، وتعزيز وصول الأكسجين إلى الدماغ. كذلك يُسهم الجينكو في القضاء على الجزيئات الحرّة الضارّة التي تُلحق الضرر بخلايا الدماغ. لذا، ينصح الخبراء بتناول قرص مُكمّل من الجينكو يحتوي على 120 ملغ منه في اليوم. وتجدر الإشارة إلى أنّ الحضارات الشرقية القديمة كانت تستخدم الجينكو لتقوية الذاكرة منذ آلاف السنين، وأنّ الخبراء في ألمانيا وفرنسا يصفون الجينكو بشكل روتيني للمرضى المصابين بضعف الذاكرة.

 

9-    احتساء القهوة:

يُسهم الكافيين الموجود في القهوة في تعزيز الأداء الذهني والقدرة على التذكر، لأنّه يحفز العديد من المناطق الدماغية المسؤولة عن التيقُّظ، المزاج، والتركيز. وفي دراسة أجريت في "جامعة أريزونا" وشملت مجموعة من المتقدمين في السن، تَبيّن أنّ الذين شربوا 230 ملل من القهوة قبل الخضوع لاختبار ذاكرة، احرزوا نتائج أفضل بشكل ملحوظ من تلك التي أحرزها الآخرون الذين احتسوا قهوة خالية من الكافيين. لكن هذه الفوائد محصورة في الأشخاص المعتادين شرب القهوة. أمّا الآخرون الذين لا يشربونها عادةً، فيمكن أن يُعانوا تأثيرات جانبية مثل الرجفة، القلق وضعف التركيز. وعلى الأشخاص الذين يعانون مشكلات في القلب أن يستشيروا الطبيب قبل شرب القهوة، فهي قد تُسهم في رفع مستويات الكوليسترول.

 

10-                    استخدام الزيوت العطرية:

يُسهم كلّ من زيت إكليل الجبل والقصعين في تحفيز الذاكرة، وزيادة درجة التيقُّظ والصفاء الذهني، إضافةً إلى التخفيف من التعب الذهني. وكانت إحدى الدراسات الأميركية قد أظهرت أن زيت القصعين يُسهم في تقوية القدرة على استرجاع الذكريات القديمة بنسبة 15 في المئة. فالجزيئات الطيّارة المتصاعدة من هذه الزيوت العطرية، يمكن أن تؤثر في عصب الشم في الأنف، الذي يؤثر بدوره بشكل إيجابي في وظائف الدماغ.

ارسال التعليق

Top