أسرة البلاغ
◄عشر دقائق من القفز بالحبل، نصف ساعة من الهرولة أو من رقص الزومبا، قد تكون أفضل دواء للعديد من الاضطرابات الصحية.
هل تساءلت يوماً لماذا ينتابك إحساس جميل بالحبُور بعد انتهائك من ممارسة الرياضة؟ لقد تَبيَّن أنّ الرياضة ليست فقط وسيلة ممتازة لمكافحة تَرهُّلات الجسم وزيادة الوزن، بل هي علاج طبيعي ممتاز للكثير من المشكلات الصحية، البدنية والنفسية، التي يمكن أن نُعانيها، مثل الأرق، القلق، آلام الظهر، وحتى الهبّات الساخنة التي تُرهق نسبة كبيرة من النساء مع بلوغهنّ سن اليأس. ويُعلّق الدكتور دافيد كاتز، المدير المؤسس لمركز أبحاث الوقاية الصحية التابع لـ"جامعة يال" الأميركية، أنّه عندما يتعلق الأمر بوقاية أنفسنا من الاضطرابات الصحية، فإنّ الرياضة هي أفضل الأدوية التي يُمكن إيجادها. تجدُر الإشارة، إلى أنّ لكل مشكلة من المشكلات الصحية نوعاً من الرياضة، يكون أكثر فاعلية من غيره. ونستعرض هنا عدداً منها:
1- القلق والتوتر:
تبيَّن أن أسهل طريقة طبيعية لمكافحة القلق وتزاحُم الأفكار السلبية والتوترات في الذهن، هي القيام بتمارين أيروبيكس تُنشّط القلب والرئتين وتزيد من سرعة إيقاع ضربات القلب. ويقول الأخصائي الأميركي في اللياقة البدنية وتأثيرها في المزاج البروفيسور مايكل أوتو، إن زيادة سرعة نبض القلب ترفع من نسبة إفراز الناقلات العصبية، التي تُساعد على تحسين المزاج ومكافحة تقلّباته. وأبرز هذه الناقلات العصبية هي الـ"سيروتونين"، الـ"نورابينيرفرين" و"جابا". وارتفاع مستويات هذه الأخيرة، هو الذي يجعلنا نشعر بالحُبور، وبزوال توتراتنا بعد الانتهاء مثلاً من ممارسة ركوب الدراجة الثابتة. والأفضل من ذلك، هو أنّ التأثير الإيجابي للرياضة على هذا المستوى، لا يقتصر على الدقائق التي تَلي ممارستها، بل يدوم لفترة طويلة. فقد أظهرت دراسة نشرتها مجلة "الطب والعلوم الرياضية" الأميركية، أن ممارسة نصف ساعة فقط من التمارين الرياضية المعتدلة (الهرولة وليس العدو بأقصى سرعة) يزيد من قدرتنا على تَحمُّل العوامل المسبّبة للتوتر (مثل مُقابَلَة مهمّة مع مديرنا في المكتب) والتغلّب عليها طوال ساعات عديدة بعد الانتهاء من ممارسة الرياضة. ويؤكد أوتو، أنّ الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام، يَلْمَسُون مع الوقت أنهم أصبحوا أقل عرضة لمعاناة التوتر والقلق والاكتئاب على المدى الطويل.
والنصيحة الرياضية هنا، تتمثل في القيام بتمارين أيروبيكس سريعة، في صباح اليوم الذي نتوقع فيه أموراً مُسبِّبة للتوتر، أو القيام بهذه التمارين مساءً بعد نهاية مثل هذا اليوم، للتخلص من كل التوترات التي تَعرّضنا لها. ويُستحسن أن نؤدي هذه التمارين الرياضية في أرجاء الطبيعة إذا أمكن، فقد أظهرت العديد من الدراسات، أنّ الهواء المنعش يُساعد هو أيضاً على تحسين المزاج.
2- الشعور بالخمول أثناء النهار:
يُؤكد الخبراء، أنّه من غير المفيد أبداً تناول فنجان تلو الآخر من القهوة، والاعتماد على الكافيين لمكافحة الإحساس بالخمول أثناء النهار. فالإكثار من الكافيين، يُمكن أن يعوق عملية الخلود إلى النوم ليلاً، ما يتسبب بدوره، في إحساس من الخمول والتعب والنعاس في اليوم التالي. وعوضاً عن القهوة، يُمكننا اللجوء إلى النشاط البدني لتبديد هذا الإحساس بالخمول. وكانت دراسة أميركية أجريت في العام 2011، قد أفادت أن إمكانية الإحساس بالتعب وبالكسل خلال النهار، تتراجع بنسبة 65 في المئة لدى الأشخاص الذين يمارسون الأنشطة البدنية لمدة 150 دقيقة في الأسبوع (وهي المدة التي يُنْصَح بها الخبراء) مُقارنةً بالذين يَتَّبعون نمط حياة مَدينيّاً فقيراً في الأنشطة البدنية.
ويعلق البروفيسور براد كاردينال، مدير برنامج علم النفس والرياضة، التابع لـ"جامعة أوريغون" الأميركية، أنّ الأشخاص الذين يمارسون الرياضة، يخلدون إلى النوم بشكل أسرع من الآخرين، ولا يستيقظون مرّات عديدة خلال الليل، كما أن إمكانية مُعاناتهم اضطرابات في النوم، تكون أقل ممّا هي عليه لدى الآخرين، الذين لا يمارسون الرياضة. وهذا يعني أنّ الشخص النشيط بدنيّاً ينام بشكل أعمق، ويشعر بمستويات أعلى من الطاقة عندما يستيقظ صباحاً، وعلى امتداد ساعات النهار أيضاً ويقول كاردينال، إنّ العلماء لا يعرفون تماماً كيف يُسهم النشاط البدني في تحضير الجسم، كي ينام بشكل عميق وجيد، لكنهم يَعزُون الأمر إلى مجموعة من العوامل، بما فيها دور النشاط البدني في خفض درجة حرارة الجسم الداخلية. تعزيز إفراز هُرمون الـ"ميلاتونين" الذي يُساعد على النوم، ودعم الحاجة البيولوجية لاستعادة مخزون الطاقة، وترميم الخلايا والأنسجة أثناء النوم.
والنصيحة الرياضية هنا، تتمثل في ممارسة التمارين الرياضية المعتدلة لمدة 150 دقيقة في الأسبوع. ومن المفيد إدخال بعض تمارين "اليوغا" ضمن هذه الأنشطة. فقد أظهرت دراسة أميركية أجريت في العام الماضي، أنّ ممارسة "اليوغا" مع تقنيات التنفّس العميق الأخرى، تُخلّصنا من الأرق في غضون 4 أشهر من ممارستها. وينصح الأخصائيون بالانتهاء من ممارسة الرياضة، قبل 3 ساعات على الأقل من موعد النوم. فالرياضة يُمكن أن تلعب دور المنشّط، إذا ما مُورست في موعد مُتأخّر.
3- آلام الظهر السفليّة:
مع التقدُّم في السن، تتراجع مُرونة العضلات الداعمة الموجودة حول العمود الفقري. ويُسهم الجلوس الطويل مع حَني الظهر أمام شاشة الكمبيوتر طوال ساعات طويلة، في إضعاف هذه العضلات أكثر وأكثر. لذا يقول الخبراء، إنّ الراحة عادةً ليست الحل الأمثل لآلام أسفل الظهر. فقد أظهرت الأبحاث، أنّ الحل الأفضل هو ممارسة تمارين تقوية العضلات. ويقول البروفيسور واين ويستكوت، الأخصائي في العلوم الرياضية في "جامعة كوينسي" في ولاية ماساتشوسيتس الأميركية، إنّ ممارسة هذا النوع من التمارين، يمكن أن يخفف من الألم بنسبة تتراوح بين 30 و80 في المئة، وذلك في فترة بين 10 و12 أسبوعاً. ويضيف، إنّ تقوية عضلات أسفل الظهر ومنطقة البطن، تخفف من الضغوط التي يتعرض لها العمود الفقري، وتُحسّن مدى الحركة، وتسهم في الوقاية من الألم وتخفيف حدّته.
أما أفضل النصائح الرياضية هنا، فهي ممارسة تمارين تقوية العضلات. مدّى يومين أو ثلاثة أيام في الأسبوع، مع التركيز على مجموعات العضلات الرئيسية، وعضلات أسفل الظهر والبطن. ومعظم التمارين هذه، تتضمّن تحمُّل وزن الجسم، أو رفع الأثقال. لذا، يُستحسن تكرار كل تمرين 16 مرّة، على أن نُمارس في المرة الواحدة، بين 2 و4 مجموعات من هذه التمارين.
4- ضعف الرغبة الجنسية:
أظهرت دراسة نشرتها مجلة "الطب الجنسي" الأميركية، أنّ النساء اللواتي يمارسن الرياضة على آلة المشي لمدة 20 دقيقة في اليوم، ينجحن في تعزيز رغبتهنّ الجنسية أكثر من النساء الخاملات. وتُعلّق الأخصائية الأميركية في أمراض الجهاز التناسلي والولادة، الدكتورة إليسا دويك قائلةً: "إنّ الرياضة تُنشط الدورة الدموية في مناطق السم كافة، ومنها الجهاز التناسلي. أما على المستوى الذهني، فإنّ ممارسة الرياضة بانتظام، يُمكن أن تساعد في التغلب على التصورات السلبية، التي يمكن أن تُكنّها المرأة تجاه جسمها. كذلك، فإنّ الهرمونات التي تجعلنا نشعر بالارتياح، والتي يفرزها الجسم بفعل ممارسة الرياضة، يمكن أن تساعدنا على التغلب على التعب أو التوتر، اللذَيْن يؤثران سلباً في الرغبة الجنسية.
وتتمثل النصيحة الرياضية هنا، في أداء التمارين التي تُسرّع إيقاع ضربات القلب، مع إدخال الحُبُور إلى النفس، مثل ممارسة رقصة الزومبا. وتنصح دويك أيضاً بممارسة بعض وضعيّات "اليوغا"، التي تزيد من انسياب الدم في منطقة الحوض.
5- التَّوْق الشديد إلى تناول الطعام:
إذا كنّا من الأشخاص الذين يلجأون إلى قوّة الإرادة وحدها لمقاومة التوق الشديد إلى تناول الشوكولاتة، مع حلول الساعة الثالثة بعد الظهر، ونَفْشَل فشلاً ذريعاً في ذلك، علينا أن نستعيض عن قوة الإرادة ببعض الأنشطة البدنية. ويُعلّق الأخصائي الأميركي الدكتور جون راتي قائلاً: إننا عندما نَمرُّ بحالة من التوق الشديد إلى الطعام يُطالب الدماغ بـ"الدوبامين"، الناقل العصبي الذي ينشط مركز المكافأة في الدماغ. ويمكننا أن نلبّي هذا الطلب، إمّا عن طريق تناول الكربوهيدرات، أو عن طريق ممارسة الرياضة. فكلاهما يرفعان من مستويات "الدوبامين" بشكل ملحوظ، لكن واحداً منهما فقط سيكون له تأثير إيجابي مُفيد في قامتنا أيضاً.
وأفضل ما يُمكن القيام به عندما تجتاحنا رَغْبَة في غزو المخبز المجاور، هو تخصيص ربع ساعة لممارسة المشي السريع، الذي أثبتت الأبحاث الحديثة أنّه كل ما نحتاج إليه لتبديد التوق الشديد إلى الأكل خارج مواعيد الوجبات.
6- الهبّات الساخنة:
تُعاني نحو 80 في المئة من النساء عند بلوغهنّ سن اليأس، وفي الفترة التي تسبقه أعراضاً عديدة، بما فيها الهَبَّات الساخنة والتعرُّق الليلي. ويقول الخبراء، إنّ ممارسة التمارين الرياضية، تُساعد النساء على تفادي السمنة والحفاظ على وزن صحّي، وهو أمر ضروري في حالات مُعاناة الهبّات الساخنة. وتقول دويك، إنّ الأبحاث تُشير إلى أنّ النساء صاحبات الوزن الزائد، يُعانين عادةً أعراضاً أكثر حدّة، ويكنَّ أكثر عرضة للإصابة بالتوتر الذي يحفز إطلاق الهبّات الساخنة. وتضيف، إنّ الأمر لا يستلزم الكثير، إذ يكفي تخصيص نصف ساعة من النشاط البدني في اليوم، للتخفيف من حدّة الأعراض بشكل ملحوظ. وكانت دراسة نشرتها مجلة "سنّ اليأس" الأميركية، قد أفادت أن ممارسة المشي أو الركض على الآلة الرياضية لمدة نصف ساعة، تُخفف من حدّة الهبات الساخنة بنسبة 74 في المئة، لمدة 24 ساعة.
وتُعتبر التمارين التي تُنشّط إيقاع القلب وحركة التنفّس، ضرورية للنساء في سن اليأس. لذا، يُستحسن ممارستها لمدة نصف ساعة، بمعدّل 5 مرّات في الأسبوع.
7- تكرار الإصابة بالأمراض:
يقول البروفيسور دافيد نيمان، من "جامعة أبالشيان" الأميركية: أنّ تمارين الأيروبيكس، تُعتبر عاملاً طبيعياً لمكافحة الرشح. فهي تُسهم في إخراج الخلايا المناعية من أنسجة الجسم وترسلها إلى مجرى الدم، حيث تهاجم الفيروسات الغازية والجراثيم. وكانت الأبحاث التي أجراها نيمان، قد أظهرت أن ممارسة الرياضة بمعدل 5 مرات في الأسبوع، تُخفف من عدد الأيام التي نُصاب فيها بالأمراض بنسبة 43 في المئة.
وتُسهم التمارين الرياضية التي تزيد من سرعة ضربات القلب في تعزيز المناعة. ويمكننا تخصيص نصف ساعة في اليوم لممارسة الهرولة، أو ركوب الدراجة أو الالتحاق بدروس في الرقص. كما يمكن ممارسة التمارين المتتاليّة على آلات رياضية عديدة، من دون التوقف بين الآلة والأخرى في معظم أيام الأسبوع. وينصح الخبراء بتفادي التمارين الرياضية التي تتطلب جهداً كبيراً لمدة تزيد على 90 دقيقة، فهي قد تزيد من إمكانية إصابتنا بالأمراض.
8- تفادي هشاشة العظام:
تساعد التمارين التي تتضمن تحمُّل وزن الجسم، أو حمل الأثقال على تقوية العظام، وتخفيف إمكانية الإصابة بالكسور مع التقدم في السن. فعندما تضطر العضلات والهيكل العظمي إلى تحمل وزن الجسم، عند أداء التمارين المناسبة (خلافاً لما يحصل أثناء ركوب الدراجة مثلاً، عندما يكون وزن الجسم مُلْقَى على الدراجة، أو عند السباحة عندما تُشكّل الماء دعماً للجسم)، فإنّ ذلك يُعرض العظام لضغوط تدفعها إلى الاستجابة، عن طريق بناء المزيد من النسيج العظمي وتعزيز كثافتها وقوّتها. وأبرز الرياضات المفيدة لتقوية العظام هي الهرولة، أو مزج الهرولة مع المشي، وصعود الدرج، وكرة المضرب، ويُنصح بممارسة هذا النوع من الرياضات، بمعدّل نصف ساعة في اليوم، 3 مرات في الأسبوع. من جهة ثانية، يُعتبر القفز بالحبل من أفضل الرياضات التي تُقوّي العظام، إضافة إلى الرياضات الأخرى كافّة، التي تحتوي على القفز.. كالكرة الطائرة وكرة السلّة وغيرهما. ويُنصح بممارسة القفز بين 5 و10 دقائق في اليوم، بمعدّل 3 أو 5 مرّات في الأسبوع. أمّا تمارين رفع الأثقال، فيُسْتَحْسَن ممارستها لمدة نصف ساعة، مرّتَين أو ثلاث مرّات في الأسبوع.►
ارسال التعليق