◄"عن العباس بن عليّ الشامي قال: سمعت الرضا (ع) يقول: كلما أحدث العباد من الذنوب ما لم يكونوا يعملون أحدث لهم من البلاء ما لم يكونوا يعرفون"[1].
واقع الإنسان ليس إلا ما ينتجه الإنسان نفسه ويصنعه بيده، وهو ما أكّد عليه وكشف عنه القرآن الكريم في العديد من آياته، كقوله عزّ وجلّ: (وَأَنْ لَيْسَ لِلإنْسَانِ إِلا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى) (النجم/ 39-40)، وقوله: (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) (الكهف/ 49).
والحديث الذي افتتحنا به الكلام يكشف لنا عن طبيعة هذه العلاقة بين فعل الإنسان وواقعه الذي هو عليه من خلال مبدأ كلي يفصح للعباد عن مجريات ومسارات العلاقة بين ذنوبهم وما ينزل بهم من بلاء، وهو أمر صار في عصرنا الراهن مشهوداً وملحوظاً بكلّ وضوح، فقد برزت الكثير من الأمراض التي لم يكن يعرفها الإنسان السابق، وقد استفحلت وانتشرت بشكل غير مسبوق في تاريخ البشرية، وفي هذا السياق يتحدث الخبير الفرنسي جاك أتالي في كتابه "معجم القرن 21" عن الأمراض في ص25 بالقول: (بين الاثنين والخمسين مليوناً من البشر المتوفين في العام 1996، هناك 17 مليوناً توفوا من جراء أمراض جرثومية، و15 من الاضطرابات في الدورة الدموية، و6 من السرطان، و3 من آفات تنفسية. بين الأمراض الجرثومية احتلّ السلّ والاسهالات والسيدا المرتبة الأولى.
هذا الترتيب سيتغير كثيراً، مثاله، أنّ السكّري الذي يصيب 135 مليون شخص، سيرتفع إلى 300 مليون شخص في العام 2025. وسيتضاعف ثلاث مرات في بعض البلدان. أما السرطان، الذي يصيب أساساً الرئتين والمعدة والقولون "في المعي الغليظ" والكبد والثدي، فسيصبح شيئاً فشيئاً مرضاً مزمناً: سيتعايش 18 مليون شخص مع السرطان لأكثر من خمس سنوات. والنوعان الأكثر أهمية سيكونان الأسهل وقاية.
أمّا الاضطرابات العقلية التي تصيب 150 مليون شخص "4 لداء الصرع، 30 للعته ولاسيَّما داء الزهايمر، 45 لانفصام الشخصية، والباقي من عواقب المخدرات المتنوعة"، فسوف تزداد لاسيَّما انفصام الشخصية "4.5 مليون زيادة في السنة"، وداء الزهايمر، إضافة إلى الانهيار العصبي الذي يصيب 340 مليون شخص وسيتضاعف أيضاً بشدّة...).
ومن الواضح من خلال هذا الكلام أنّ أمراض العصر لا تقف عند حدّ الأمراض الجسدية، بل هي تطال بعمق الصحة النفسية والعقلية لملايين البشر من الناس في مجتمعاتنا المعاصرة، وهو نتيجة متوقعة يكشف عنها تعالى بقوله: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى) (طه/ 124)، وهو ما أنبأ به رسول الله (ص) في حديثه عن أشراط وعلامات آخر الزمان، إذ خاطب سلمان الفارسي بالقول: "يا سلمان وعندها تشارك المرآة زوجها في التجارة، ويكون المطر قيظاً، ويغيظ الكرام غيظاً، ويحتقر الرجل المعسر، فعندها يقارب الأسواق إذا قال هذا: لم أبع شيئاً وقال هذا: لم أربح شيئاً فلا ترى إلا ذاماً لله، قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال: إي والذي نفسي بيده. يا سلمان فعندها يليهم أقوام إن تكلموا قتلوهم، وإن سكتوا استباحوهم ليستأثروا بفيئهم، وليطؤون حرمتهم، وليسفكنَّ دماءهم، ولتملأنَّ قلوبهم رعباً، فلا تراهم إلا وجلين خائفين مرعوبين مرهوبين، قال سلمان: وإنّ هذا لكائن يا رسول الله؟ قال إي والذي نفسي بيده"[2].
الهامش:
[1]- بحار الأنوار، المجلسي، ج70، ص354.
[2]- بحار الأنوار، ج6، ص306-307.
المصدر: كتاب هشاشات القرن 21
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق