• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المرأة... والقلق

المرأة... والقلق
  حضرت سيدة إلى العيادة النفسية وقالت وهي تجفف دموعها: "أنّ مشكلتي هي أني أعمل خارج المنزل وحين أعود من عملي أجد في انتظاري أعمال البيت المعتادة وواجبات رعاية الأطفال ثمّ تنفيذ مطالب زوجي فلا أجد لحظة واحدة للراحة حتى استبد بي التعب والإرهاق وأصابني القلب وأصبحت على حافة الانهيار".

وقالت لي سيدة أخرى: "مشكلتي أنني أقضي وقتي كلّه في المنزل فأنا ربة منزل أقوم بالأعمال المنزلية الروتينية كلّ يوم حتى شعرت بالملل في حياتي وأحياناً تستبد بي مشاعر القلق حتى أقضي وقتي في البكاء وانقلب في الفراش دون نوم في المساء".

وشكاوى أخرى عديدة نسمعها من النساء بصفة خاصة في العيادة النفسية ذلك أنّ المرأة لها بناء نفسي يختلف عن الرجل كما أنّ لديها من الخبرات والمواقف ما تتميز به مما أدى إلى وجود تخصص مستقل يطلق عليه "أمراض النساء" لا يقابله تخصص آخر تحت مسمى "أمراض الرجال" فالمرأة لديها الطمس والدورة الشهرية والحمل والولادة والنفاس ثمّ الأمومة ورعاية الأطفال ثمّ ما اصطلح إلى تسميته "سن اليأس" حين يتوقف الحيض وكلّ هذه أمور خاصة بالمرأة وهموم قد تثقل حياتها بأعباء نفسية إضافية.

 

المرأة بين عيادة أمراض النساء والعيادة النفسية:

من الحالات الشائعة التي كثيراً ما يشترك في علاجها طبيب أمراض النساء والطبيب النفساني الاضطرابات المصاحبة للدورة الشهرية والتي تبدأ أعراضها في الظهور قبل فترة الحيض وتسبب التوتر والإجهاد والعصبية الشديدة مع شكاوي بدنية متعددة وآلام جسدية مزعجة وتنشأ هذه الأعراض عن اضطراب في الهرمونات وأسباب نفسية ويتم علاجها نفسياً وعن طريق بعض العقاقير التي تعيد الاتزان المفقود.

ومن تلك الحالات أيضاً الآلام والصعوبات المرتبطة بالممارسة الجنسية والتي يتسبب عنها المزيد من القلق والانزعاج للسيدات والأزواج على حد سواء حيث تعوق أعراضها الممارسة الجنسية المعتادة مما يحول النشاط الجنسي إلى مصدر قلق وتوتر بلا من أن يكون مصدر متعة وإشباع على سبيل المثال حالات التشنج المهبلي التي تحدث في بعض السيدات بمجرد أن يشرع الزوج في بدء العملية الجنسية فتمنع إتمامها وهذه تعالج عن طريق الاسترخاء وما نطلق عليه العلاج السلوكي أما الألم المصاحب للجماع إذا لم يكن له سبب عضوي واضح مثل الالتهابات وعدم التناسب بين عضوي الرجل والمرأة فإنّ هذه الحالات يمكن لها الإفادة من أساليب العلاج النفسي.

كذلك فإنّ العلاج النفسي دوره في تخفيف الاضطرابات المصاحبة للحمل والولادة والنفاس والمضاعفات التي تحدث خلالها كما أنّ للعلاج النفسي دور هام في علاجات اضطرابات سن اليأس التي تصيب بعض السيدات مع انقطاع الحيض وكلّ هذه الأمور الخاصة بالمرأة تكون عادة مصحوبة بتغييرات نفسية قد تصل إلى حد الاضطراب وتحتاج إلى المساندة والعلاج النفسي.

 

مشكلات نفسية إضافية للمرأة:

إذا كان الحمل والإنجاب والأمومة ورعاية الأطفال هي أعباء إضافية ترتبط بتغييرات نفسية مزاجية متفاوتة يمكن أن تزيد شدتها وتسبب شعور السأم والضيق والقلق للمرأة بما تتضمنه من متاعب وأعباء ومسؤوليات بدنية ونفسية فإنّ غياب هذه الأمور يؤدي أيضاً إلى إصابة المرأة بالاضطراب النفسي فقد ثبت أنّ السيدات (أو الآنسات) اللاتي لم يسبق لهن الزواج وهم في حالة العنوسة والأخريات اللاتي تزوجن ولم يقدر لهن الإنجاب هن أكثر قابلية للإصابة بالقلق والاكتئاب وكذلك السيدات الآتي يستخدمن وسائل منع الحمل أو الآتي تجرى لهن جراحة لاستئصال الرحم لضرورة ما أو عقب حدوث إجهاض.

وحين تخرج المرأة للعمل خارج المنزل فإنها تفتح الباب لهموم متنوعة يبدأ في معاناتها بما يفوق طاقتها أحياناً وتؤدي بها في النهاية إلى حالة الاضطراب النفسي وقد ثبت أنّ المرأة العاملة تكون أكثر عرضة للقلق والاكتئاب إذا كانت أما الأطفال صغار دون السادسة خصوصاً في الثالثة من العمر وربما كان مرجع ذلك زيادة متطلبات الأطفال في هذه السن إو إحساس بالعزلة لدى الأم حين تبتعد عن صغارها وعلى العكس من ذلك ربات البيوت اللاتي يقضين كلّ الوقت في المنزل ذلك أنهنّ يقمن ببذل الكثير من الجهد في البيوت دون الشعور بالإشباع نحو هذا الدور مع معاناة مشاعر العزلة والملل من رتابة الحياة.

 

متناقضات.. وهل من حل؟

فيما ذكرنا فإنّ إصابة المرأة بالقلق والاضطرابات النفسية هي مثال لاجتماع الشيء ونقيضه فهي في معاناة سواء تزوجت أم لم تتزوج وظلت في حالة عنوسة وسواء أنجبت أطفالاً أو لم تنجب وإذا خرجت لتعمل خارج المنزل أو بقيت كربة بيت وهنا يكون السؤال: إذن فما الحل لهذه المتاعب التي تعاني منها المرأة؟

ومن وجهة النظر النفسية أنّ شعور المرأة الذي يتسم بانخفاض تقديرها لذلتها في مقابل سيادة الرجل في الأسرة والمجتمع قد يدفعها أحياناً إلى محاولة الجمع والتفوق في مجالات عديدة دون الانتباه إلى قدراتها وإمكاناتها المحدودة ولتوضيح ذلك نقول أنّ المرأة يصعب لها أن تكون موظفة أو سيدة أعمال ناجحة وفي نفس الوقت زوجة رائعة وأم مثالية وربة بيت ممتازة وطاهية طعامة ماهرة.

وأرى كطبيب نفسي أنّ المرأة إذا قيمت إمكاناتها بموضوعية واعتدال وتوصلت إلى تسوية أو حل وسط "يرضي جميع الأطراف" توفق فيه بين هذه المجالات المختلفة فإنّ بوسعها في هذه الحالة أن تعيش حياة نفسية مستقرة وتحتفظ باتزانها النفسي في مواجهة الاضطراب والقلق.

 

المصدر: كتاب عصر القلق.. الأسباب والعلاج

ارسال التعليق

Top