• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

غلاء الأسعار يهدد حياتنا الأسرية

إشراقة النور (تحقیق)

غلاء الأسعار يهدد حياتنا الأسرية

الغلاء.. من لا يشعر ويشكوه هذه الأيام؟ فالراتب بالكاد يكفي حتى آخر الشهر، وأما الأهداف التي يعمل لأجلها كثيرون فقد تأجلت أو ألغيت، بسبب الغلاء الذي لا يمر مرور الكرام، وإنّما يجثم ثقيلاً على الصدور والجيوب.
هنا جولة صغيرة مع أرباب الأسر ورباتها.
بعدما كانت أُم راشد (أُم لأربعة أولاد)، تعتمد على الخادمة في شؤون الطبخ والبيت باتت تتابع بنفسها مجريات الأمور وتتفقد أحوال التموين، والسبب هو "المزيد من التدمير وضمان الحفاظ على ميزانية الشهر بلا خروق. فقد قامت أُم راشد في الفترة الماضية بنقل أولادها من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، في إطار سياسة "شد الحزام" صموداً في وجه إعصار الغلاء الذي أطاح أيام الرفاهية التي كانت تعيشها أسرتها.
ولا تتردد أُم راشد في إبداء تذمرها: "هناك إرتفاع كبير في الأسعار، ولا يقتصر الأمر على سلع بعينها، فجميع الأغراض أصبحت أسعارها خيالية".وفي الوقت الذي تناضل فيه بعض الأسر بالتقشف لتدبير نفقات البيت، فإن أبو جهاد (موظف في القطاع الخاص وأب لستة أولاد)، اضطر إلى الإقتراض من المصارف لتغطية النفقات المتزايدة لسد حاجات البيت: "نحن ندفع ثمن جنون إرتفاع الأسعار في كل القطاعات، بدءاً من الإيجارات، مروراً بالبقالات والصيدليات ومستلزمات المدارس، وفي ضوء هذه التطورات وغلاء المعيشة التي تستقطع من زيادات الرواتب الإيجابية، أصبح راتبي لا يكفي حتى نصف الشهر. أمّا النصف الآخر فأبقى أسير ديون البقالة والفواتير، إلى أن أخذت قرضاً كي أسدد ما عليَّ من ديون".
يبدو أبو جهاد عاجزاً عن إيجاد حلول أبعد من القروض، لحل مشكلاته، مع الغلاء، يسأل بحيرة: "ماذا يفعل الموظف محدود الدخل أمام غول الغلاء، وكيف تدبر الأسرة البسيطة حاجاتها الأساسية؟".
- تسوق بلا متعة:
أمام أحد الأرفف في أحد المحال ميشلين شدياق (أُم لثلاثة أولاد)، ورقة تتضمن قائمة التسوق الخاصة بها، لشراء ما هو مهم. أمّا الكماليات فقد باتت، بحسب تعبيرها، "أتردد كثيراً قبل التفكير في شرائها". وكمن خسر متعة تضيف: "لم يعد التسوق ممتعاً كما كان في السابق حين كنّا نشتري كل ما نشتهيه من دون أن ننظر حتى إلى السعر. لقد تعودت منذ أن بدأت موجة الغلاء على أن أتسوق بحذر، وفي حساباتي ورأسي معادلة ألا أحرم أطفالي من شيء وفي الوقت نفسه أقتصد في الشراء رغماً عني ولا أشتري إلاّ الضروريات، ولا أشتريها بالكميات التي تعودت عليها".
وبدهشة تضيف: "حتى حليب الأطفال لم يسلم من إرتفاع الأسعار، إذ تضاعف ثمن العلبة في وقت وجيز، والمواد التي كنت أشتريها بـ"سعر معيّن" درهم أصبحت الآن بـ"أضعاف السعر السابق" درهم وأكثر. فالمواد ذاتها في عربة التسوق لكن الفاتورة أصبحت أعلى".
تؤكد سوزان دمشقية "أن ظاهرة الغلاء أصبحت قضية الساعة، لا في دولة معيّنة وحسب، وإنما في معظم دول العالم، ولا توجد قضية أكثر سخونة منها". الإرتفاع الجديد للأسعار مسلسل اعتدناه منذ مطلع العالم الجاري، وفي كل يوم تزيد معاناتها مع إرتفاع المواد الغذائية الأساسية وغيرها من السلع".
وإذ تكشف أنّه من الصعب عليها تغيير عادتها في التسوق، الذي تحبه، بخاصة في ما يتعلق بالسلع المرتبطة بالأكل والشراب، تؤكد أنها تحاول قدر الإمكان الإبتعاد عن شراء الكماليات التي لا تحتاج إليها.
- الإستشارية غادة الشيخ: الغلاء يهدد الحياة الأسرية
حذرت غادة الشيخ، إستشارية أسرية وإجتماعية في مركز التميّز للإستشارات الإدارية والتطوير، من التهديدات التي تجابه إستقرار الحياة الأسرية، بسبب غلاء الأسعار، وتلفت أنّ "لهذه الظاهرة الكثير من الآثار التي تلقي بضلالها على الأسرة، ومن أهمها إزدياد حالات الطلاق بسبب عدم قدرة رب الأسرة على الإنفاق. فالدخل أصبح لا يكفي متطلبات الحياة اليومية". وتكشف أنّ الكثير من المشكلات بين الأزواج، تحصل بسبب الغلاء، كأن يتهم هذا الزوج زوجته، أو العكس، بأنّها من تسبب في الوقوع في العجز والإسراف. وهناك زوجات قد يعتقدن أنّ أزواجهنّ لا يبذلون الجهد الكافي لتحصيل الرزق.
تزيد الشيخ: "عندما تزداد هذه الظاهرة ينتج عن ذلك عدم المقدرة على الوفاء بالتزامات كانت الأسر في السابق تقوم بها، فمثلاً نجد إذا مرض أحد أفرادها فإنها لا تستطيع الإهتمام به صحياً، بسبب إرتفاع تكلفة الفاتورة الصحية. وتلفت إلى النتائج الخطرة التي قد تنتج عن تكدس أفراد الأسر الكبير في منزل واحد. وتعتبر أن ذلك سيولد التوتر والإنفعال والعصبية، إضافة إلى خمود مشاعر الحب بين الأزواج وربّما تبديدها وضياعها، ولا ننسى الخلافات ومظاهر الإنفصال العلني أو المقنع".
وفي الإطار ذاته ترى الشيخ أن "زيادة الفقراء تزيد نسبة الجريمة، وتكثر حالات السرقة وجرائم النصب والإحتيال". والأمثلة، بحسب الشيخ، كثيرة، "فربّما يلجأ البعض إلى الإستدانة من البنوك، أو من الأصدقاء، وتحرير شيكات بلا رصيد، ومثل هذه القصص ربّما تكون نهايتها في السجون".
وتشير الشيخ إلى بعض أنواع المعاناة التي يقابلها الوافدون، على وجه الخصوص، من ظاهرة غلاء الأسعار "فهم غالباً ما يفضلون إرسال أسرهم إلى بلادهم لأن رب الأسرة لا يستطيع أن يوفر نفقات السكن والمدارس والعلاج، فيبقى بمفرده يعاني الوحدة والفراغ العاطفي، وكذلك فإن أسرته وأطفاله يعانون هذا التشتت القسري، ما ينعكس على سلامتهم النفسية والإجتماعية".
وتنصح الشيخ الزوجين بأن يتعاملا بوعي مع هذه الظاهرة وألا يسمحا لها بتدمير الحياة الزوجية بينهما، فعلى الزوج التعاون مع زوجته في الميزانية ووضع زوجته في الصورة بخصوص دخله وإمكاناته. وتنصح الزوجات بالإمساك بزمام الأمور في تدبير شؤونها والنظر في ميزانية الأسرة لتلبي المتطلبات، بما يحقق التوازن بين الدخل وإرتفاع الأسعار، وما يتطلبه من مهارات الإقتصاد المنزلي:
- عمل ميزانية شهرية بكل الإلتزامات الأساسية وإستبعاد ما هو غير ضروري.
- البحث دائماً عن السلع الأقل سعراً مع مراعاة الجودة.
- شراء ما تحتاج إليه الأسرة فعلياً، وليس لأنّه فرصة أو لأن سعره قليل.
- شراء طلبات المنزل شهرياً أو أسبوعياً بعد حصر ما تحتاجين إليه وكميته.
- ضعي ورقة أمامك لتكتبي فيها ما تحتاجين إليه أوّلاً لا تهدري وقتك أو مالك في أشياء تشترينها ثمّ تكتشفين أن عندك منها المزيد.
* نصائح للمستهلك:
- قبل الشراء:
1- اكتب حاجات أسرتك قبل الذهاب إلى الأسواق.
2- تشاور مع أفراد الأسرة حول الحاجات المراد شراؤها.
3- اصطحب أبناءك في معظم عمليات الشراء، كي يتم الحصول على السلعة الضرورية لهم وذات القيمة والجودة العالمية.
4- تأكّد من أن شراءك السلع والخدمات لن يرهق ميزانيتك وأن عملية الشراء تتوافق مع أولويات دخل الأسرة.
5- ضع في الإعتبار مقارنة السلع من حيث الأوزان والأحوال والأحجام مع السعر قبل الشراء.
6- عدم الإندفاع وقارن الأسعار في أكثر من مكان قبل الشراء، وخاصة في حالة الإعلان عن التنزيلات.
7- إقرأ بطاقات البيان والمكونات ومحتويات السلعة قبل الشراء، وتأكد من جودتها وسلامتها.
- مرحلة الشراء:
1- لا تكن عاطفياً مع نفسك أو أفراد عائلتك وبالأخص عند شراء السلع والخدمات.
2- لا تشتر السلع والخدمات الرديئة وليكن هدفك الجودة مع التحقق من الصحة والسلامة خلال عمليات الشراء.
3- ليكن شراء السلع والخدمات قبل فترة معقولة، وخاصة في المناسبات (الأعياد، شهر رمضان، بداية العام الدراسي... إلخ).
4- اطلب فاتورة الشراء واحتفظ بها مع قراءة وبشكل جيِّد العقود والضمانات للسلع والخدمات.
5- لا توقع على عقد في حالة الشراء قبل قراءته، ولا توقع على عقد من مساحات فارغة أو غير مفهوم بالنسبة إليك.
6- ليكن شراؤك المواد الغذائية (الأسماك، الدجاج، اللحم... إلخ) الخطوة الأخيرة قبل التوجه إلى المنزل، للحفاظ على سلامتها وجودتها.
7- تجنب الإسراف والتبذير واشتر فقط إحتياجاتك الغذائية اليومية أو الأسبوعية بحد أقصى وعدم الإتجاه إلى التخزين لما له من أضرار على الجودة والسلامة الصحية.
- بعد الشراء:
1- إسأل عن خدمات إعادة السلعة أو سياسة تغييرها.
2- احتفظ بسجل مكتوب لإتصالاتك بالشخص المسؤول في حالة وجود الشكوى.
3- في حالة وجود مشكلة في السلع أو الخدمات اتصل بالشركة في أسرع ما يمكن، فمحاولة إصلاح المنتج بنفسك قد تلغي حقك في الضمان.
4- كن على علم بكيفية إستخدام المنتج، لأن ذلك قد يؤثر في حقوق الضمان لديك.
5- إنّ لم تحل المشكلة اتصل بالمشرف على التوزيع أو الوكيل المعتمد.
6- في حالة إستمرار عدم حل الشكوى اتصل بالجهة الحكومية المعنية.
7- إتّخاذ الإجراءات القانونية لابدّ أن يكون الأخير، وكن حذراً من أنك لابدّ من إتخاذها خلال فترة زمنية محددة، ناقش محاميك في مجرى القضية.
- نصائح عامة:
1- ترشيد إستهلاك الكهرباء والمياه والوقود حفاظاً على نقودك والبيئة.
2- ترشيد إستخدام الهاتف الخلوي.
3- تجنب المحاكاة والتقليد في عمليات الشراء والسفر.
4- ضع لنفسك هدفاً تسعى إلى تحقيقه يكون بعيد المدى، كشراء منزل أو رحلة سياحية لك أو لأسرتك يساعد في ترشيد الإستهلاك.
5- أطلب من البائع إفراغ صناديق الخضراوات والفاكهة في أكياس، كي تتأكد من جودتها وسلامتها فلا تفاجأ بفسادها عند الوصول إلى المنزل.
6- اصطحب أفراد أسرتك أو أصدقاءك والذهاب معاً في سيارة لترشيد الإنفاق والحفاظ على البيئة.
7- كن إيجابياً وبلغ عن أي ممارسات خاطئة في الأسواق لإدارة حماية المستهلك والجهات ذات العلاقة.
8- زيادة وعيك الإستهلاكي والإستعمال الأمثل للسلع والخدمات يطيلان عمر السلعة والإستفادة من الخدمة ويوفران المال والسلامة.

ارسال التعليق

Top