يقول سبحانه وتعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104).
وقد جعل الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وعي هذه الفريضة وأداءها حيث يدعو وضع المجتمع إلى ذلك، من صفات المؤمنين الصالحين.
قال تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (التوبة/ 71).
فقد دلّت الآية المباركة على تضامن المؤمنين بعضهم مع بعض في عمل الخير والبر والتقوى وانّهم جميعاً من جنود هذه الفريضة حين يدعوهم الواجب إليها.
وكما ورد مدح المؤمنين والمؤمنات كأفراد في الآية المتقدمة، فقد ورد في آية أخرى مدح المسلمين كافة كأمّة ومجتمع من حيث وعيهم لهذه الفريضة وعملهم بها كما في قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران/ 110)، وعلى هذا الأساس فإن وعي هذه الفريضة والقيام بها هو من مسؤوليتنا كأفراد كلّ من موقع مسؤوليته ومن مسؤوليتنا مجتمعاً حركةً إيمانية وجهادية.
وقد كان إيحاء هذه الفريضة وجعلها إحدى الهواجس والوظائف الكبرى في داخل المجتمع من أهم أعمال وأهداف المعصومين (ع) الدائمة.
فقد أعطى الإمام عليّ (ع) هذه الفريضة منزلة تستحقها بين سائر الفرائض الشرعية فجلعها إحدى شعب الجهاد الأربع فقال (ع): "والجهاد منها أي من دعائم الإيمان على أربع شعب: على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الصدق في المواطن وشنآن الفاسقين، فمن أمر بالمعروف شدّ ظهور المؤمنين ومن نهى عن المنكر أرغم أنوف الكافرين، ومن صدّق في المواطن قضى ما عليه، ومن شَنَأ الفاسقين وغضب لله غضب الله له وأرضاه يوم القيامة".
لقد بلغت هذه الفريضة من الأهمية حداً جعلها أمير المؤمنين (ع) تتقدم على الجهاد في سبيل الله وأعمال البر كلها، فقال (ع): ".. وما أعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلّا كنفثة في بحر لجّي..".
ولعلّ السر في ذلك أن أعمال البر بل الفرائض ورد الظلم وتوفير الأمن وبناء الحياة على الأساس الذي يريده الله، لا يمكن أن يتحقق بدون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يحمل الناس على الاستقامة والطاعة والالتزام بالمبادئ الشرعية والأخلاقية.
ونحن نواجه في مجتمعنا حالة غفلة عن الحكم الشرعي بوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحالة تراخٍ عن القيام بهذه الفريضة الإسلامية على وجهها الصحيح. وهذه الغفلة وهذا التراخي يحملنا على أن نذكّر أنفسنا وإخواننا بعواقب ذلك.
إنّ التهاون والتراخي في الالتزام بهذه الفريضة يعرض حالنا ومجتمعنا والأُمّة لأهوال كبرى، وقد ذكّر الإمام عليّ (ع) مجتمعه بما حلّ في القرون الماضية من اللعن نتيجة إهمال هذه الفريضة والتراخي بها حيث قال: "فإنّ الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين أيديكم إلّا لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي والحلماء لترك التناهي".
واللعن هنا ليس عقاباً روحياً وأخروياً فقط انّه هنا يأخذ معنىً سياسياً أيضاً: إنّ اللعن هو العبد عن رحمة الله ورعايته وهذا يعني أنّ الملعون يتعرض للنكبات السياسية والاجتماعية التي تؤدّي به في النهاية إلى الانحطاط والانهيار والسقوط.
لذلك لا يجوز الصمت والسكوت أمام حالات الانحراف والفساد والمعاصي التي تحدث أمامنا في داخل الأسرة، أو في داخل المجتمع.
والأكثرية التي لا تبدي فيما يجري أمامها من انحراف وممارسات وتصرفات خارجة على الضوابط الشرعية، وتقبل ما يقوم به الآخرون مختارة أو مرغمة، راضية أو ساخطة، هذه الأكثرية الصامتة بموقفها هذا تقوم بدور الخاذل للحق أو المتواطىء على الجريمة والمعصية.
والصمت في هذه الحالات ليس علامة على البراءة والطيبة، وإنما هو علامة على الجبن والغفلة والفرار من المسؤولية. والله يعاقب على هذا السكوت كما يعاقب المذنب الفاعل للمعصية، لأنّ الله تعالى يؤاخذ الجميع بذنوبهم: "المتحركين بذنب المعصية، والساكتين بذنب توفير أجواء الجريمة، أمام المجرمين لارتكاب جرائمهم ومعاصيهم. والعقاب يشمل الجميع كما قال أمير المؤمنين (ع): "أيها الناس إنما يجمع الناس الرضى والسخط، وإنما عقر ناقة ثمود رجل واحد، فعمّهم الله بالعذاب لما عموه بالرضى".
لذلك وعلى طريق أئمتنا (عليهم السلام) يجب أن نجعل هذه الفريضة أحد أهم هواجسنا وأعمالنا الدائمة ومسؤوليتنا الحية ويجب الالتزام بها من قِبَلنا جميعاً بلا استثناء في حياتنا العامة وعلاقاتنا الاجتماعية والسياسية.►
المصدر: كتاب تزكية النفس
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق