• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الحث على التقوى

الحث على التقوى
◄الله سبحانه وتعالى يحب عباده المؤمنين لأنّهم سمعوا نداءه فأجابوه وعملوا من أجل مرضاته واجتناب سخطه وغضبه، مع العلم واليقين بأنّ كلّ ما أمر تعالى به ونهى عنه إنما هو لمصلحة العباد أنفسهم إذ أنّه لا تنفعه طاعة المطيعين ولا تضره معصية العاصين.

فعليك أيها العبد المؤمن أن تحب الله وطاعته حتى توفق لنيل رضوانه سبحانه ولتكون (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (النساء/ 69).

و"بعبارة أخرى" لا يمكنك أن تنال محبة الله سبحانه وتعالى من دون أن تحصل على ملكة التقوى والتي تستطيع من خلالها أن تكون من الرابحين في الدنيا والفائزين في الآخرة، فقد روي عن رسول الله محمّد (ص) أنّه قال: "خصلة مَن لزمها أطاعته الدنيا وربح الفوز بالجنة، قيل: وما هي يا رسول الله؟ قال: التقوى، مَن أراد أن يكون أعز الناس فليتقِ الله عزّ وجلّ، ثمّ تلا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3)".

وما أروع وأجمل كلام أمير المؤمنين (ع) عندما يوصي أصحابه بالتقوى فيقول لهم: "أوصيكم عباد الله بتقوى الله وطاعته فإنّها النجاة غداً والمنجاة أبداً".

فبالتقوى يا بُنيّ ينجو الإنسان وبالتقوى ينال ما عند الله تعالى وبالتقوى تقطع حُمّة الخطايا، والتقوى هي الزاد وبها المعاذ، وقد قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الألْبَابِ) (البقرة/ 197).

فعليك أن تعلم بأنّ الله سبحانه وتعالى لم يأمر الناس ومنذ خلقهم بشيء كما أمرهم بالتقوى لأنّها باب الرحمان ومفتاح الجنان، فانظر إلى كتاب الله تعالى وإلى الروايات الواردة عن الرسول الأكرم (ص) وآله الأطهار، فتراها مملوءة بالحث الشديد على التقوى وطاعة الله، وإنّه ليصعب يا ولدي أن أذكر لك كلّ ما ورد حولها ولكن قد زيّنت لك هذا المطلب بباقة قليلة الألفاظ والحروف غزيرة المعاني والمفاهيم، فقد قال عزّ من قائل: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) (النساء/ 131)، وقال أيضاً: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ) (الحج/ 1).

وتأمّل في كلام سيد البلغاء وأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) عندما يحث على التقوى في إحدى خطبه فيقول:

"عبادالله! أوصيكم بتقوى الله فإنّها حقّ الله عليكم، والموجبةُ على الله حقّكم، وأن تستعينوا عليها بالله، وتستعينوا بها على الله، فإنّ التقوى في اليوم الحرزُ والجُنّة، وفي غدٍ الطريقُ إلى الجنّة، مَسْلَكُها واضح وسالِكُها رابح، ومستَودَعُها حافظ، لم تبرَح عارضةً نفسها على الأُمم الماضين منكم والغابرين، لحاجتهم إليها غداً، إذا أعاد الله ما أبدى، وأخذ ما أعطى، وسأل عما أسدى، فما أقل مَن قبلِها وحَمَلَها حقَّ حملها! أولئك الأقلُّون عدداً، وهم أهلُ صفةِ الله سبحانه إذ يقول: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سبأ/ 13)، فأهطعوا بأسماعكم إليها، وألِظُّوا بِجِدِّكُم عليها واعتاضوها من كلّ سلفٍ خَلَفاً، ومن كلّ مخالفٍ موافقاً، أيقظوا بها نومكم واقطعوا بها يومكم، وأشعروها قلوبكم، وارحضوا بها ذنوبكم، وداووا بها الأسقام وبادروا بها الحمام واعتبروا بمن أضاعها ولا يعتبرن بكم من أطاعها، ألا فصونوها وتصوّنوا بها".

وانظر إلى إمامك ومقتداك جعفر الصادق (ع) حيث كتب لأحد أصحابه فقال له: "أما بعد، فإني أوصيك بتقوى الله عزّ وجلّ، فإنّ الله قد ضمن لمن اتقاه أن يُحوِّله عما يكره إلى ما يحب ويرزقه من حيث لا يحتسب، إنّ الله عزّ وجلّ لا يُخدع عن جنته ولا يُنال ما عنده إلا بطاعته".

واعلم أنّ مَن يتقي الله لا يهمه شيء من أمر الدنيا رُفع نسبه أو وضع، حَسُنَ وجهه أو قَبُح، كثر ماله أو قل، يقول إمامنا الصادق (ع) على ما ذكره صاحب الشريعة: "اتق الله وكن حيث شئت ومن أي قوم شئت، فإنّه لا خلاف لأحد في التقوى، والمتقي محبوب عند كلّ فريق، وفيه جماع كلّ خير ورشد، وهو ميزان كلّ علم وحكمة، وأساس كلّ طاعة مقبولة، والتقوى ماء ينفجر من عين المعرفة بالله يحتاج إليه كلّ فن من العلم وهو لا يحتاج إلا إلى تصحيح المعرفة بالخمود تحت هيبة الله وسلطانه..".

ثمّ اعلم بأنّ الناس وكما يتفاوتون في هذه الدنيا من جهة المقامات والمناصب والوضع المادي حيث إنّ منهم الشريف ومنهم الوضيع ومنهم الرئيس ومنهم المرؤوس ومنهم الغني ومنهم الفقير ومنهم متوسط الحال، فكذلك المتقون يتفاضلون عند الله ويتفاوتون من حيث المرتبة والمنزلة. فقد ورد عن إمامنا الصادق (ع) أنّه قال: "إنّ التقوى على ثلاثة أوجه: تقوى الله وترك الخلاف فضلاً عن الشبهة، وهو تقوى خاص الخاص، وتقوى من الله وهو ترك الشبهات فضلاً عن الحرام، وهو تقوى الخاص، وتقوى من خوف النار والعقاب وهو ترك الحرام، وهو تقوى العام، ومثل التقوى كماء يجري في نهر، ومثل هذه الطبقات الثلاث في معنى التقوى كأشجار مغروسة على حافة ذلك النهر، من كلّ لون وجنس وكلّ شجرة منها يمتص الماء من ذلك النهر على قدر جوهره وطعمه ولطافته وكثافته، ثمّ منافع الخلق من تلك الأشجار والثمار على قدرها وقيمتها، قال الله تعالى: (صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأكُلِ) (الرعد/ 4).

واعلم أنّ التقوى "هي أن لا يفقدك الله حيث أمرك ولا يراك حيث نهاك".

وعليه فلابدّ من أن تطيع الله سبحانه وتعالى دائماً وفي كلّ أوقاتك في ليلك ونهارك في قيامك وقعودك حتى تكون مصداقاً لقوله تعالى: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (النساء/ 13).

ولتكون من (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا) (النساء/ 69).►

ارسال التعليق

Top