• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ثمار الأخوة في الله

ثمار الأخوة في الله

◄كيف ينال الأعداء من مجتمعنا إذا كان متآخياً ومتحاباً ومتماسكاً؟

للأخوّة ثمار وآثار طيبة، وذلك على مستويات عدة:

أوّلاً: على مستوى العمل الجماعي: لا شكّ في أنّ روح الفريق ستجعل من كلّ فرد شعلة نشاط يبذل كلّ ما في وسعه، ويأخذ بكلّ الوسائل لإنجاح ما يعد له: "مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى".

كما سيعمل على تنفيذ ما أُعد له هو وإخوانه وسيكونون جميعاً على قلب رجل واحد لتنفيذ ما اتفق عليه، متناسين أي خلاف قد يكون نشأ في مرحلة ما.

ولا شكّ في أنّ أي صف يعمل الجميع به – قيادةً وجنوداً – بقلب رجل احد، متجردين لله ولا يرجون من إنسان جزاءً ولا شكوراً، أقدر على تحقيق أهدافه كلّها بإذن الله، فلقد حقق المسلمون الأوائل ما حققوه بعقيدتهم الراسخة وإيمانهم الوثيق بالله، ثمّ بأخوّتهم التي أرساها المصطفى (ص) حين آخى بينهم.

كما تعزز الأخوّة وحدة الصف بكلّ معانيها، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف/ 4)، فروح الأخوّة ستجعله صفاً واحداً يصعب اختراقه وتدميره.

لقد ثَبَتَ العاملون في الصف الإسلامي في مواجهة المحن – بعد فضل الله – بإيمانهم الراسخ، ثمّ بالروح الأخويّة بينهم فكان الواحد منهم يضحي بحياته على أن يشي بأحد إخوانه أو يضر دعوته من قريب أو بعيد، فضربوا بذلك أروع الأمثلة على روح أخوّتهم العالية.

ثانياً: على المستوى الفردي: إنّ أوّل المستفيدين من روح الأخوّة هو الفرد نفسه إذ يستشعر أنّه ليس وحيداً، وأنّ معه إخوانه يساعدونه على تقوى الله، وعبادته، وطاعته، فقد جاء في الحديث: "إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية".

كما سيجد فيهم خير الأصحاب فهو إذا ذكر الله أعانوه، وإذا نسي ذكروه.

وعندما يختلط المسلم بإخوانه سيكتسب منهم خبرات، وتجارب متنوعة في شتى المناحي، وسيرتفع بذلك مستوى أدائه في المجالات جميعاً: دعوية ودنيوية ومهنية، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة/ 2).

كما سيجد الفرد من بعض إخوانه – لا أقول كلّهم – قدوة حسنة، تقربه من ربه، وتزرع فيه خصالاً، يحاول الوصول إليها دون جدوى، وذلك من خلال معايشته لهم، بل سيقتدي بهم في مختلف الأحوال والأوقات فيكتسب قدرات لا تقدر بثمن.

وتعين الأخوّة الفرد على الثبات، ذلك أنّ مَن يسير في طريق الدعوة إلى الله يكون – بطبيعة الحال – عرضة لملاقاة الأذى، والابتلاء، والفتن، فالطريق محفوف بالمكاره، مليء بالعقبات، والمسلم في حاجة لإخوانه، وقلوبهم معه، يعينونه على مكاره الطريق، ويتواصون معه بالحقّ.

ثالثاً: على مستوى المجتمع: المجتمع الذي يكون أعضاؤه على قدر كبير من المحبة والتعاون، ويعرف كلّ منهم حقوقه وواجباته، يكون مستواه متميزاً حتى لو كان هؤلاء الناس قلة لأنّهم سيكونون قدوة، وسيؤثرون في المجتمع، وسيتأثر بهم المجتمع، وسيرتفع مستواه الإيماني والعلائقي والثقافي.. إلخ، مما سيؤثر على إنتاجه في جميع المستويات والجوانب.

هذا المجتمع سيقف في وجه أشد الصعاب: فلقد صمد الصحابة في شعب أبي طالب، وأبلوا بلاً حسناً، بإيمانهم ثم بأخوّتهم الفذة، كما صمد المسلمون في المدينة أمام التحديات الداخلية – من داخل المدينة – والخارجية وجاهدوا أفضل الجهاد.

واجهوا في بدر وأُحد والخندق أكبر التحديات، وكانت أكبر عدة لهم – بعد الله ثمّ إيمانهم الراسخ – هي إخوّتهم، ووحدة صفهم، وتماسكهم، فلقد ذاب كلّ واحد منهم في المجموع فتشكلت قوة واحدة منهم يصعب اختراقها بل كان النصر حليفها.

كما أنّ المجتمع المتحاب أفراده سيكون من القوة بمكان ليقف في مواجهة شتى التحديات، أو على أقل الخروج بأقل الخسائر، لأنّ هذه المجموعات ستشيع هذه الروح في أُسرها، وعائلاتها، وجيرانها وأصدقائها من خلال فهمها الصحيح للإسلام، وبعملها به، فما بالنا لو كان المجتمع كلّه على هذه الدرجة العالية من الأخوّة، والحبّ في الله؟

رابعاً: على مستوى غير المسلمين: حُبنا بعضنا بعضاً وأخوتنا وروابطنا الإسلامية العظيمة تثير غيظ أعداء الإسلام مهما حاولوا إخفاء ذلك، لأنّ هذا الجانب الروحي قلّ – إن لم ينعدم – في مجتمعاتهم المادّية.

وإذا رأى أعداؤنا فينا القوة والصلابة العقدية، والأخوّة الملتحمة فسيؤثر ذلك حتماً فيهم، ويضعفهم معنوياً، إذ كيف يحاربون مجتمعاً متحاباً متعاوناً على قلب رجل واحد؟

ومن جانب آخر فإنّ غير المسلمين إذا وجدوا فينا الصورة المشرّفة للإسلام ومُثله العليا فربما اتجهوا إلينا لأنّ الإسلام دين الفطرة.

فالواجب علينا – إذن – أن نقدّم لهم الصورة المشرفة للأخوّة الإسلامية كما قدّمها أسلافنا، وفتحوا بسلوكهم المتآخي كثيراً من بقاع العالم.

والخلاصة: إذا ازدهرت شجرة الأخوة وترعرعت ونمت، فلابدّ من أن تنمو شجرة لعمل وتزدهر، وتعطي حينها أطيب الثمار.

ومن هنا علينا جميعاً وعلى المخلصين والعاملين للإسلام خاصّة، أن يعملوا على ازدهار شجرة الأخوّة، وعلى حمايتها، وصيانتها من الهجمات الشرسة التي تعمل على اقتلاعها.

إنّنا في حاجة لهذه الروح وهذا الفقه ليسري في جسد الأُمّة، فتنبعث فيه الحياة بعد طول رقاد.

إنّ على قادة العمل الإسلامي والمربين العمل على غرس روح وفقه الأخوّة في نفوس إخوانهم من خلال برامج عملية، وكذلك تأصيل هذه الروح وتجذيرها في النفوس بدلاً من الاهتمام بتوسيع رقعة الانتشار والاهتمام بالكمّ على حساب الكيف، أو الاهتمام بتوسيع القاعدة على حساب تربيتها.

فلقد انتصر المسلمون في بدرٍ وهم قلة مؤمنة تتمتع بقدر عالٍ من التربية والأخوّة، لكنهم انهزموا في حُنين على كُثرتهم، ذلك أنّ الكثرة قد تحوي الخبث الذي سرعان ما يزوى عندما يواجه محنة أو اختبار. ►

ارسال التعليق

Top