• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

النافع والضار…

النافع والضار…

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنعام/ 17).

الآية توضح بالتصريح أن هناك من الضر ما هو غير العذاب يوم القيامة يمسُّ الله سبحانه به الإنسان، يجب أن يتوجه إليه تعالى في كشفه، وأن من الخير ما يمس الله به الإنسان ولا راد لفضله، ولا مانع يمنع من إفاضته لقدرته على كلّ شيء، ورجاء الخير يوجب على الإنسان أن يتخذه سبحانه إلهاً معبوداً.

والآية تدل على أنّ الضر كالفقر والمرض ونحوهما، من صنع الله، لا من صنع الناس، وكذا كشفهما والخلاص منهما، إذن لماذا السعي والعمل؟

 

الجواب:

أوّلاً: إنّ السعي واجب عقلاً ونقلاً؛ أما العقل فلأن الحياة لا تتم إلا بالعمل، وأمّا النقل فقد تجاوز حد التواتر، من ذلك قوله تعالى: (فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) (الجمعة/ 10).

وقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) (الملك/ 15)، وفي الحديث: "سافروا تغنموا". "تداووا فإنّ الذي أنزل الداء أنزل الدواء".

وعليه من قصر في السعي، ومسه الضر فهو المسؤول، ومن سعى من غير تقصير ومسه الضر تقع المسؤولية على مجتمعه الفاسد في أوضاعه وأحكامه، وإن كان المجتمع الذي يعيش فيه صالحاً، فقد تضرر بقضاء الله وقدره.

ثانياً: إنّ الله سبحانه لا يريد الضرر لأحد من عباده، كيف؟ وهو القائل: (وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ) (ق/ 29)، والقائل: (وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة/ 207)، وفي الحديث: "إنّ الله أرحم بعباده من الوالدة بولدها".

وعلى هذا يكون المراد بالضر في الآية ما يجازى به العبد على عمله، أو امتحاناً لمصلحته، وما إلى ذلك مما لا يتنافى مع عدل الله ورحمته.

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنعام/ 17)، أي لا راد لخيره وفضله، قال الرازي: "ذكر ذلك للدلالة على أنّ إرادة الله لإيصال الخيرات غالبة على إرادته لإيصال المضار".

وقد عبر عن إصابة الضرر والخير بالمس الدال على الحقارة في قوله: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ) ليدل به على أن ما يصيب الإنسان من ضر أو من خير شيء يسير مما تحمله القدرة غير المتناهية التي لا يقوم لها شيء ولا يطيقها ولا يتحملها مخلوق محدود.

وكأن قوله تعالى في جانب الخير: (فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وضع موضع نحو من قولنا: فلا مانع يمنعه ليدل على أنّه تعالى قدير على كلّ خير مفروض، كما إنّه قدير على كلّ ضر مفروض، وتنكشف به علة قوله: (فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ) إذ لو كشف غيره تعالى شيئاً مما مس به من ضر، دفع ذلك قدرته عليه، كذلك قدرته على كلّ شيء، تقتضي أن لا يقوى بشيء على دفع ما يمس به من خير.

وتخصيص ما يمس به من ضر أو خير بالنبي (ص) في هذه الآية نظير التخصيص الواقع في قوله: (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الزّمر/ 13)، ويفيد قوله: (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) (الأنعام/ 18)، من التعميم نظير ما أفاد قوله: (مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ) (الأنعام/ 16).

 

المصدر: كتاب دروس من القُرآن

ارسال التعليق

Top