• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

شهر رمضان.. ضيافة الله

شهر رمضان.. ضيافة الله
قال رسول الله (ص):

"أيها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيّامه أفضل الأيّام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب فاسألوا الله ربكم بنياتٍ صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فإنّ الشقي مَن حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم..".

قاعدة اللطف الإلهي شاملة لنواحي الحياة الطبيعية والفكرية والشخصية والنفسية والسلوكية في العناية الإلهية العامة بعباده فتشمل جميع أنواع الرحمة والعطف والرزق لعموم المخلوقات وتشمل أيضاً جميع التسهيلات الربانية في الطاعة والعبادة فقد قال سبحانه وتعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات/ 7)، وقال النبيّ الأكرم (ص): "جئتكم بالشريعة السمحة السهلاء" فأذن الله عزّ وجلّ يوفر للإنسان نعماً شخصية وخارجية وعلى كافة المستويات ويوفر له أيضاً مناخاً إيجابياً للإيمان والإخلاص والتوبة والاستقامة فهو مسبب الأسباب والداعم بالغيب لذلك نقرأ في الأدعية – اللّهمّ عاملنا بلطفك ولا تعاملنا بعدلك – وبالفعل ألطاف الله شاملة لجميع المخلوقات فمن ألطافه على النباتات – مثلاً – هذه الكائنات الحية الواقفة في مكانها أن تمتص بواسطة جذورها من أملاح الأرض وبالاستفادة من نور الشمس والهواء تحصل على الغذاء بينما الحيوانات بما أنها تستطيع أن تتحرك وتمشي إذن لتنتقل من مكان لآخر طلباً للغذاء سواء كان نباتياً أو حيوانياً المهم أنّ الحيوان لا يحتاج إلى عملية التركيب الضوئي لصنع الغذاء في داخله وليس من المناسب أن يكون ذلك على عكس النبات.. وعلى أثر ذلك لابدّ من توفر صفات خاصة بالحيوانات لتكون من الأسباب الداعية لاستمرارها في الوجود وهذه الصفات هي أيضاً من ألطاف الله سبحانه فالكلب وفي والأسد شجاع والغزال ذكي والدجاج نافع وهكذا.. فصفات هذه الحيوانات تكون سبباً رئيسياً للحصول على الغذاء والمسألة موزعة بعدالةٍ تامة.

ومن لطف الله أن تتعايش هذه النباتات والحيوانات أي الكائنات الحية الثابتة والمتحركة بنظام دقيق في داخل كياناتها ترتبط فيما بينها على أساس المنفعة والخدمة ويأتي الإنسان لكي يعيش عليها فهو بعقله وذكائه يستطيع أن يسخر النباتات والحيوانات بل الطبيعة بأسرها في خدمته فالعقل الإنساني هبة الله الكبرى للبشر من أبرز ألطاف الله للإنسان فبه يستطيع أن يميز بين الحقّ والباطل ففطرة الإنسان تحمل أمهات الفكر المساوي يقول عزّ وجلّ: (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (الروم/ 30)، وقال أيضاً: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ...) (العنكبوت/ 61).

وقال الله سبحانه كذلك: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ...) (العنكبوت/ 63). هذه الفطرة الطبيعية لدى الإنسان هي من ألطاف الله تعالى ومن ثمّ إرسال الرسل وبعث الأنبياء (عليهم السلام) والكتب المقدسة لهدايتنا وقد يسّر لنا معرفة أحكام الدين وطريق الخلاص والنجاة. وقد جاءت كتب السماء تتويجاً للفطرة الإنسانية النقية.

حجة الله على العباد النبيّ والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل فالعقل هو الهدية الإلهية العظمى للإنسان فلولاه لما استقام إنسان على دين ولا آمن برسالة يقول الرسول الأعظم (ص): "قوام المرء عقله ولا دين لمن لا عقل له" وهكذا فإننا نجد في كلّ شيء في الوجود لطف إلهي واضح ومثال على الطبيعة مثلاً الهواء فإنّه يتكون من عدة عناصر بنسبٍ محدودة فمثلاً الأوكسجين نسبته في الحالة الطبيعية 21% فلو صعدت النسبة إلى 30% أو نزلت إلى 10% لارتبكت الحياة على الأرض لأنّ الإنسان والحيوان والنبات كلّ منهم يعتمد عليه لأجل البقاء. ومن خواص الأكسجين إنّه يساعد على الاشتعال فلو صعدت النسبة لاشتعل المكان الذي تظهر فيه شرارة عود الكبريت.. بينما تتدخل ألطاف الله التي لا تحصى ونعمه التي لا تعد بتثبيت النسبة وليستفيد النبات من ثاني أوكسيد الكربون الملفوظ من قبل الحيوانات ولتستفيد الحيوانات من الأوكسجين للتنفس.. في علاقات تبادل المنفعة فيما بين الكائنات وكذلك الحالة التكاملية في الطبيعة متزنة بميزان دقيق الواحد يخدم الآخر بحدود معينة سبحان الخالق الكريم حيث يقول: (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ) (الرحمن/ 7)، وقال في سورة البقرة، آية 164: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

وقاعدة اللطف الإلهي هذه تتناول الحياة السلوكية للإنسان أيضاً فالله سبحانه ما خلقنا عبثاً وإنما لغاية شريفة فهو القائل جلّ وعلا: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56)، وقال أيضاً: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ) (الأنبياء/ 16).

وشرّع الله للناس العبادات من صلاة وصيام وحج وزكاة ووضع العقوبة المناسبة للمخالفين والمسيئين وقانون الحدود والتعزيرات للمعتدين والآثمين لغرض ضمان الاستقامة بالحياة ورفع الظلم والحيف.. وبالنسبة للعاصين يعطيهم الله أملاً متجدداً بين آونة وأخرى بالتوبة الصادقة وخاصة في هذا الشهر العظيم الذي يمكن أن نجدد البيعة من الله سبحانه في العبادة المخلصة في هذا الشهر الكريم من صيام وصلاة والتزام بالسلوك الإيماني وهذه القاعدة المباركة نطمح أن تشملنا بعنايتها في الدنيا والآخرة.

ومن ألطاف الله إنّه سنّ لنا العبادة وأوضح لنا التوبة من الذنوب وشهر الصيام من ألطاف الله عزّ وجلّ فإنّه متميز تماماً عن بقية الشهور وكما قلنا أنّ أيام الصيام هي مرحلة تطهير الإنسان من الذنوب العالقة طيلة أيام السنة فإنّ مغناطيسية الدنيا تسحب الإنسان نحو الهوى وتنسيه من التفكير الإيجابي لأنّ آفة الإنسان النسيان فيأتي الصيام ليعيد التذكرة الإيمانية للإنسان والمجتمع فتحرق الذنوب وفي الأثر المقدس "من صام شهر رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله ما تقدم من ذنبه".

وفي هذا الشهر هنالك الامتيازات للصائم والمصلي والعابد كلّها من ألطاف الله سبحانه فلندخل الآن بعد هذه المقدمة إلى صميم الموضوع – وبودّي أن أتناول خطبة الرسول الأعظم (ص) مقطعاً مقطعاً علنا نستفيد منها في هذا الشهر العظيم في زمن الأزمة الخلقية والأزمة النفسية فهذه الخطبة المباركة تعدّ وثيقة تربوية خلقية للمسلمين وضعها الرسول الأعظم (ص): (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى) (النجم/ 3-4).

فإلى المقطع الأوّل من هذه الخطبة الرائعة.. "أيها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيّام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات...".

أيها الناس نداء عام لكلّ المجتمع فإذن الدعوة مفتوحة للجميع بماذا؟ بزمن كريم متميز أقبل إليكم فتهيئوا له نفسياً هذا الزمن منسوب إلى الله عزّ وجلّ فهو شهر الله يمتاز بالبركة والرحمة والمغفرة فهو مبارك بالنعم ومتميز بالخيرات ورحمة إلهية عامة للصائمين لتسهيل الفريضة ومدّ الصائمين بالقوة والصبر وأيضاً هنالك مغفرة وتجاوز للذنوب والمعاصي الماضية للصائم وذوي العلاقة به من الأموات والأحياء فالله سبحانه معطاء كريم نقرأ في الدعاء "يا من يعطي من سأله ويا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنناً منه ورحمة...".

وفي هذا الشهر المتميز على الشهور الأخرى فالعطاء أكبر والمغفرة أوسع فهو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيّام بل وساعاته أفضل الساعات هذه الأفضلية في المنظار الإلهي واضحة المعالم وسببها لأنّ هذا الشهر يحتوي فريضة الصيام أو لإنزال الكتب المقدسة فيه، المهم أنّ الله سبحانه أراد لهذا الشهر هذه الأفضلية المعطاءة.. هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامته. الله ما أجمل هذا التعبير الدقيق بالفعل إننا مدعون لضيافة الله ونحن في طريق تلبية دعوة الخالق الكريم نتساءل ألسنا نحن في كلّ الحالات في ضيافة الله فهذه النعم وهذه البركات والقدرات على الانتفاع من الطبيعة في الاستهلاك للأكل والشرب والتنفس... هل من زيادة على هذه الضيافة؟ أجل إنّها ضيافة من نوع جديد لا كما نفهم عن الضيافة نحن في الأكل والشرب والمشي على الأرض ضمن ضيافة عامة وإنما هنالك ضيافة خاصة للصائمين والمؤمنين وأكثر من ذلك جعلنا من أهل كرامة الله في هذا الشهر الكريم أما عناصر هذه الضيافة وألوان العطاء الرباني يحدثنا الرسول عنها "أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة وعملكم فيه مقبول ودعاؤكم فيه مستجاب" هذه الضيافة خارجة عن فهمنا الطبيعي إنّها إعداد جزيل للدار الآخرة التي تشكل الطموح الحقيقي للإنسان المؤمن فالأنفاس الصاعدة والنازلة – في هذا الشهر تحسب تنزيهات لله أي تسبيحات تسجل في سجلات المؤمنين تسبيحات الصائمين ولها أجرها الكبير. والنوم في هذا الشهر يحسب عبادة والعمل فيه مقبول والدعاء لنفسه أو للآخرين مستجاب.

فعلاً فرصة نادرة في الحياة ولابدّ من اغتنامها، هل لاحظتم تنزيلات وتخفيضات في السلع التجارية كيف يتهافت الناس لاستغلال الفرصة؟ بالفعل شهر رمضان تخفيضات للشروط بشكلٍ واضح فلا خيار أمام المؤمنين إلا اغتنام الفرصة "فاسألوا الله بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فإنّ الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم" القصد الصادق التوجه إلى الله بصدق النية وبقلب خالٍ من الأدران والآثام لأجل التوفيق الإلهي للصيام وقراءة للقرآن فالمؤمن بحاجة إلى التوفيق من اليد الإلهية الغيبية لتأدية الواجبات الشرعية، وفي الحديث "المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من الله وواعظ من نفسه وقبول ممن ينصحه" وهذا التوفيق يحصل لدى الإنسان صافي النية وطاهر القلب. أما الشقي أي التعيس وغير السعيد فإنّه سيحرم من مغفرة الله ورضاه في هذا الشهر العظيم فلعظمة العطاء وتسهيل رضي الله في مناخات إيمانية مهيئة للتوبة والاستغفار والاستقامة وللضيافة المفتوحة والمتميزة بالفعل أنّ الذي لا يستفيد من هذه الفرصة الذهبية يعد من الأشقياء.

وهكذا يعتبر الإسلام شهر رمضان موسماً بادياً خاصاً فلابدّ من التعامل معه بصدق وإخلاص وتفاؤل وانسجام كي تتم الفائدة المرجوة في الدنيا والآخرة بينما الذي نشاهده وللأسف لدى شريحة من المجتمع وربما الشريحة الكبرى ظاهرة الازدواجية في الشخصية بشكلٍ واضح فيمارس الدورين دور المتقي الصائم ودور انحرافي في السلوك بشكل ملموس وليس هذا مجال حديثنا وإن كان من اهتماماتنا الأساسية – فنلاحظ أمام النشاط الديني تنشط الشياطين أيضاً لتأخذ قسطاً من وقت الصائمين للأسف! فتلهيهم في ليالي اللعب والسهر العابث.. هذه الحالة ربما تتكرر في كلّ يوم ففي النهار صيام وتلاوة قرآن أي ساعات رحمانية بينما في المساء تكون الساعات شيطانية.. وربما تظهر الإزدواجية هذه في مظهر أفضل وذلك استمرار الساعات الرحمانية في أيام رمضان وبمجرد أن ينقضي هذا الشهر الكريم تنطوي الحالة المقدسة وتعود الحالة التي سبقت شهر رمضان وكأن لم يكن شيئاً مذكوراً دون أن يستفيد من هذه المحطة الربانية خارج شهر رمضان وبعض الناس بسلوك غريب جدّاً يتصور نفسه كالطفل فيفرح لحلول الشهر المبارك كما يفرح الأطفال ويعد معدته بالأكل والشرب فيحضر ويدعو أيضاً لحفلات الطعام المترف والمتنوع ويتوج فرحته في يوم العيد كالأطفال بالضبط ومن المؤكد إنّه غير مرتاح نفسياً ووخز الضمير يؤنبه على هذا السلوك دوماً.

وبعض الصائمين لا يجرؤ أحد أن يتكلم معه لسوء خلقه في هذا الشهر لأنّه صائم فلا أُمّه ولا زوجته ولا ابنه يستطيعون التحدث معه خاصة بعد الظهر.

وأظن أنّ هذه نتائج طبيعية تظهر للعيان عند غياب المعرفة الحقيقية لهدف الصيام أما بعض المفطرين والعابثين نراهم يتخاصمون على هلال العيد ويوم العيد ووقت الإفطار أكثر من الصائمين يبدو لسد نقصهم يقول الشاعر:

شباب طائش نزق *** وشيب ما بهم رمق

وشعب طالب ثقة *** فدلوه بمن يثق

هذه صورة من الازدواجية في شخصية المسلم المعاصر من الطبيعي أنّ الصحوة الإسلامية اليوم قد أظهرت الحقيقة وحالة الازدواجية متقلصة أمامها والذي يبحث عن الحقيقة يجدها.

والتذرع بسلوك الآخرين المنحرفين كتبرير لانحرافنا غير نافع وإنما لابدّ للإنسان بنفسه أن يطهّر داخله وأفضل فرصة في هذا الشهر العظيم فباطن الإثم يخلق حالة الازدواجية ففي لحظات الإيمان والطاعة تتوفر النيات الصادقة في الوقت ذاته تطهر القلوب من تراكمات الماضي والسؤال كيف نستطيع أن نمدد هذه اللحظات الإيمانية؟ بهذه النيات الصادقة والقلوب الطاهرة من الأغلال والآثام إلى تمام شهر رمضان بل لتمام أيام السنة بمعنى آخر نحوّل هذا الخلق النبيل والطهارة القلبية إلى ملكة مترسخة في ذواتنا متخلصين من أمراض النفس وحالة الازدواجية والإثم الباطن وهذه بعض النقاط التي تخص موضوعنا:

أ) التعرف على أسباب حصول النية الصادقة والعوامل المؤثرة فيها والفوائد التي يجنيها من النية الصادقة، فالتوجه إلى الله بإخلاص للعبادة والصوم بالذات في هذا الشهر والطمع في مغفرته وعفوه وكذلك المحاسبة الدائمة للنفس وتلقين بالمحاسبة الإلهية الدقيقة لكلّ الأعمال الصالحة والطالحة ففي هذا الشهر أنفاس الملتزمين تسبيح ونومهم عبادة وعملهم مقبول..

بالنتيجة هذه المحاولة الجادة تستهدف إيجاد المناخ المناسب لهذا الصفاء فلابدّ من استمرار النية الصادقة بمعرفة الأسباب والعوامل المؤثرة والفوائد المجنية – وهذا المناخ الإيماني يمكن إيجاده بشكل أو بآخر في أيام السنة الأخرى ولهذا نلاحظ التأكيدات في الشريعة على استحباب الصيام في شهر رجب وشعبان. فكلما نرى الشياطين في حالة تأهب لافتراسنا لابدّ أن نلجأ إلى الصلاة والصوم وقراءة القرآن والأدعية اليومية.

ب) قراءة السير وعواقب الأُمم في القرآن الكريم وقصص الصالحين والأنبياء أي دراسة عواقب أمور الناس – والسعيد مَن اتعظ بتجارب غيره – لاكتشاف الحكمة من الاستقامة والالتزام – هذا لنوع من الدراسة الواعية تتيح للإنسان المؤمن ديمومة النوايا الصادقة والقلوب الطاهرة بل وحتى في قصص المنحرفين نأخذ العبر منهم. وفي الأثناء يُنقل أنّ تاجراً كبيراً طرق على بابه مسكين وطلب العون منه صرخ في وجهه فالتفت المسكين مخاطباً التاجر أما تخاف أن تصبح مثلي وإنّ الله قادر على ذلك فصرخ به أيضاً قائلاً لو أراد الله أن يفكر لأصير مثلك لاحتاج إلى تفكير سنتين! وبالفعل إنّ الله عند المنكسرة قلوبهم.. وفوراً يأتي الخبر بأنّ ابن التاجر مع ابن الملك كانا في رحلة صيد وبالخطأ يسدد ابن التاجر سهمه ليضرب الفريسة فيقتل ابن الملك الوحيد فيتهستر الحاكم ويصادر أموال التاجر المنقولة وغير المنقولة ويطرد من محله التجاري ليعبر الشارع ويرى المسكين فيقول له أنّ الله لا يحتاج إلى تفكير سنتين لتحويل الغني إلى الفقير.

ارسال التعليق

Top