• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التربية الثقافية.. والثقافة التربوية

التربية الثقافية.. والثقافة التربوية

◄لا يُمكن أن نتطرّق لتطوُّر مفهوم التربية، وفق محددات موضوعنا المختصر، وكون المصطلح يدلّ على تشعب سُبله، إلّا أنّنا يمكننا القول بأنّ مفهوم التربية يدلّ على تنشئة الجيل فكرياً وخلقياً والاهتمام بتنمية قدراتهم العقلية من خلال التعلُّم والتعليم، وبالتدريب والتثقيف، وهي ظاهرة تتأثر وتؤثر بالظواهر الأُخر.

لذا تشترك مجموعة مؤسّسات وبمستوياتها المختلفة في بناء ذلك، لذا يكون قوّة المجتمع وتنميته وتطوّره، من قوّة وتنمية وتطوّر أساليب التربية وخططها، وما يعمل بموجبها وفاعليتها وديناميكية أساليبها ووسائلها المادّية وغير المادّية والبشرية، والآلية المناسبة لذلك، ولذا تتطلب التربية عمق استيعابي لمتطلبات الثقافة على الساحة المعمول فيها، وما يُمكن تطويرها وتنميتها، لحركة البناء السليم والمعرفة المطلوبة، وما تدخل الثقافة في مختلف مفاصل الحياة، لأنّ الثقافة تتطور وتنمو عن طريق العقل والتفكير والحوار، وهو جانب حيوي ومهم للتربية بذاتها، ومفصلية الثقافة التربوية، مجال الحركة للفرد والمجتمع وحيويتهما داخل الدولة والمحيط، وقد يتعدى إلى خارج الدولة والمحيط، الذي يتعدى كلّ أسوار التنظيمات الرسمية، أو يكون ضمن سياقها، أو من خلال أنشطتها المختلفة.

والثقافة هي مجموعة أنظمة عاملة وفاعلة مع تطوّر المجتمع والدولة، ولها خصائصها المكتسبة والفطرية، وبعواملها المستقلة والتابعة، وتواصلها بين الماضي والحاضر والمستقبل، ومستوى انفتاحها وتعاونها المشترك مع الثقافات الإنسانية، بالخصوصيات والعموميات المناسبة التي تحقق لها تطوّراً مادّياً وغير مادّي، وبأصالة، لأنّ أي اتجاه في الكون لا يمكن أن يتطوّر إلّا بالتفاعل والانفتاح على المحيط الخارجي، والثراء الثقافي لا يُمكن أن يحقق الاكتفاء الذاتي، فتلاقح الحضارة حقيقة عالمنا المعاصر، مع الاحتفاظ بالخصوصيات وبصمات المجتمع الأصيل الحضاري، فمثلاً حضارتنا العربية الإسلامية، والثقافة العربية الإسلامية ثرية بخصوصياتها وإنتاجها الذي أثّر في الحضارات والثقافات الأُخر، وتفاعل معها، إلّا إنّ بصماتها بقيت إلى وقتنا الحاضر على المستوى الإنساني، وبشكل حيوي وواعي، لا يُمكن إنكارها، وهو ما يُحتِّم وجود قوّة خطة بناء شخصية الإنسان كفرد وكمجتمع له اتصال بجذوره والأصالة النابعة منها.

وتحمُّل أعباء هذه المسؤولية الضخمة من تربوية وثقافية، لابدّ من وجود إدارة حازمة لها المرونة والفاعلية والانسيابية المناسبة، التي تضع الخطط الشاملة والحيوية لبناء الإنسان من الأعماق، وبالعمق الفكري الواعي الذي يتحمّل أعباء التنمية والتطوير اللازمين والمتلازمين لخدمة ذات المجتمع المتماسك أو ما يؤدي إلى تماسكه من خلال التربية السليمة والثقافة النقية الأصيلة، وأقصد بالأصيلة هنا، التي تتفاعل مع الاحتفاظ بهُويّتها المتميزة، والحفاظ على نسق انسيابية وبتواصل الفكر وعطاء حقيقي.. وهنا لابدّ أن يكون لمن يتحمّل المسؤولية التربوية، أن يكون له أرضية ثقافية جيِّدة، من أجل أن يقوم بتربية راسخة وثقافة تربوية ناجحة.

والتربية الثقافية لها أهمية كبيرة في تنمية القدرات والإمكانيات والمستوى الاستيعابي وبكلّ محتوياتها الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية.

أمّا الثقافة التربوية، فهي التي تهدف إلى خلق كادر أو جيل إنساني، يحمل على مسؤوليته أعباء التربية سواء كانت عن طريق المؤسّسات الرسمية والمتمثلة بالمدارس والاتحادات والنقابات والجمعيات والجامعات والمؤسسات الثقافية والتروبية الأخر، أو بالأساليب غير الرسمية والعلاقات غير الرسمية التي لا تضمها قوانين وأنظمة مكتوبة، كما هو عليه في البناء الرسمي، وتتمثّل هذه القوى غير الرسمية، بالآباء والأبناء والأخوة والأقرباء والأصدقاء وما يحيط بهم وبلا المحددات القانونية الرسمية، وهذا بدوره يُظهر لنا أهمية التعاون والتفاعل بين البناء الرسمي والبناء غير الرسمي وبالأساليب المختلفة والمناسبة، وتحديد الموارد البشرية المطلوبة والأدوات المطلوبة والمتوافرة، وبالثقافة التربوية، للتربية الثقافية وبمختلف أبعادها وسُبُلها، مع تمهيد الأرضية المناسبة للفرد والمجتمع، والاستعداد لاستعياب أو استقبال المعلومات بصورة واعية لا عشوائية، ويمكن إجمال أهم ما يمكن إجماله بعد ما تقدّم بما يلي:

1- تبدأ الحالة التربوية واللبنة الأساسية للتربية والسلوك الثقافي من الأسرة، وتبدأ المسؤولية العظيمة والكبيرة لبناء شخصية الطفل، النفسية والعقلية، وبالاستعدادات المناسبة لها من خلال قنوات الأحاسيس المحددة، كالسمعية والبصرية والشمّية، التي تتطلب سلامة مؤدياتها ألا وهو الأذن والعين واللسان والأنف.. وهنا لعامل الاكتساب والفطرة أهمية بالغة لتحقيق التربية الصالحة من خلال المعلومة والسلوك الصالح.. لذا يتطلب اهتمام الدولة والمجتمع بالأسرة وبنائها من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات الصحّية والتربوية والثقافية، والحيلولة دون حدوث الإعاقة الفكرية عن طريق وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، أو الإعاقة الصحّية عن طريق عدم توفر المؤسّسات الصحّية المانسبة والمطلوبة، أو الإعاقة التربوية والثقافية السليمة عن طريق عدم وجود ما يناسب من المؤسسات التربوية والثقافية.

2- الحيلولة دون وقوع ازدواجية ثقافية وتربوية، والتناقض بين الفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وذلك بإتباع أفضل الأساليب الإنسانية للحيلولة دون خلق الصراع والكراهية والعنف، حتى يصل الفرد من خلاله بتدمير ذاتية أو شخصيته، مما قد يؤثر على أسرته المادّية والمعنوية، وقد يؤثر حتى على المجتمع والتأثير على استقرار المجتمع وتماكسه، وقد يتعدى إلى مستقبل المجتمع فيهدده.

3- الاهتمام بالأساليب التقويمية التي بالإمكان التأثير إيجابياً على الفرد والأسرة، وتقويم أساليب التربية التي تتواصل مع التربية المدرسية.

4- الاهتمام بتنمية القدرات التربوية والثقافية لدى الكادر التدريسي على كلّ المستويات وكلّ المراحل الدراسية، وبناء روح التعاون بين الطالب والمدرسة أو الجامعة وحتى بلوغه الخوض في مهامه أو مسؤولياته الوظيفية الستقبلية، وهنا للتدريب النظري والميداني أهمية بالغة.

5- إنجاز المؤتمرات والندوات الفاعلة التي تؤدي بالأسرة والمجتمع والمؤسسات إلى أساليب الحلول الناجحة، من خلال الاستنتاجات والتوصيات المناسبة.

6- قيام وسائل الإعلام وبالاهتمام بالشخصيات المؤثرة في المجتمع والأسرة، وذلك من خلال اللقاءات اليومية، لعرض الإنجازات العلمية والعملية والسيرة الذاتية، مما يتيح للأسرة وأفرادها إلى الاقتداء بهم وتقويم تربيتهم، وحتى المقابلات للشخصيات الدينية المحببة للمجتمع، مما يُسهِّل على الدولة والمجتمع تقويم السلوك التربوي واكتساب الثقافة والتجربة الذاتية للشخصية، وهنا بدوره يشجّع على الابتعاد عن ما يسبب ارتكاب الجرائم من صغائرها حتى كبائرها.

7- فتح أوقات مناسبة ومطولة لتبادل الآراء بين نُخبة من الأدباء ورجال الدين والمثقفين والكتّاب وحتى مختلف شرائح الفنانين، وفتح الحوارات بينهم وبين الجمهور أو المجتمع، عن طريق الندوات والمؤتمرات المفتوحة وعرضها عن طريق قنوات التلفاز والمذياع والصُّحف... إلخ، لتحقيق أقوم أسلوب تربوي حضاري وتبادل ثقافي، من شأنها أن تبث روح ثقافة الجماهير تجمع بين النظرية والتطبيق الميداني، بأقوم السُّبُل المشوقة.►

ارسال التعليق

Top