• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حلاوة الصوم الحقيقي

عمار كاظم

حلاوة الصوم الحقيقي

شهر رمضان موسم العطاء مع الله، وجهد استثنائي يبذله المؤمنون بالاسلام في رحلة كدحهم المتواصلة الى الله، المطلق في قدرته، واللطيف في عطاياه ومنحه. ان جهد الصوم, كان مع الانسان منذ أن أخذ يتربى على تعاليم الله سبحانه، لذلك يذكرنا ربنا جلت قدرته بهذه الحقيقة :«كتب عليكم الصيام، كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون». وهل التقوى التي هي هدف الصوم، سوى صدق التعامل مع النفس ومع الله ومع الآخرين، الصدق المرتبط بالمسؤولية، والامانة التي حملها الانسان، دون سائر خلق الله الآخرين.. لقد ارتبطت مناسبة الصوم لدى المسلمين بشهر رمضان، ارتباطاً عضوياً لا انفكاك منه، ففيه تلتقي ارادة السماء المقدسة مع استجابة عشرات الملايين الموحدين ممن استجابوا لله في دعوته بكتاب الصوم.. في شتى بقاع الأرض، يصومون في وقت واحد، ويفطرون في وقت واحد، ويتأدبون بتعاليم واحدة.. ويخضعون لحكم شرعي واحد.. ويتطلعون الى الله خالقهم ومربيهم في أشواق واحدة، وأمنيات مشتركة. في شهر رمضان.. الجميع يتحسسون حلاوة الصوم، الفرد، والأسرة، والمجتمع.. لذلك فالأثر المترتب على الصيام لا يخص مفردة معينة، وانما تلتقي كلّ المفردات الاجتماعية على ذلك الهدف العظيم.. وعلى قدر تحقيق ذلك الهدف تكون النتائج.. فالجميع مخصوصون بالخطاب السماوي، وهكذا نجد أن الله سبحانه وتعالى يخاطب الناس جميعاً، ولم يخاطب الافراد وحدهم، ذلك انّ هدف التشريع الالهي، هو صلاح الحياة بكل أبعادها الفردية والاجتماعية، المادية والمعنوية. احدى الحقائق التي كانت تصدح بها توجيهات النبي (ص) بخصوص الصوم، أنه لايختص بالامتناع الشكلي عن الأكل والشرب وسائر اللذات المعدودة في كتب الفقه وانما الحقيقة هي صوم الجوارح فمن صام صامت جوارحه «كما يقول النص الشريف». ان الصوم أشبه بمدرسة فصلية يدخلها المسلم رجل وامرأة ليهذب أعماله، ابتداءاً من تنقية الفكر وتهذيبه، الى تعبيد كلّ جارحة لله، بالعين، والأذن، واللسان، والقلب، والبطن، و.. الخ. والاّ فكم من صائم ليس له من صومه الا الجوع والعطش كما يشير الحديث النبوي الشريف وهذه خسارة ما بعدها خسارة أن يجد أحدنا غداً صحيفة صومه بيضاء، وعند ذلك نتذكر ان الله لم يظلمنا ولكننا نحن الذين ظلمنا أنفسنا بعدم تقيدنا بآداب الصوم، وتصورنا ان الامتناع عن الأكل والشرب وحده يكفي لنيل درجات الصائمين.. ولم يكن ذلك الا وهم حسبناه حقيقة.. ذلك ان الله غني عن عباده وعن عبادتهم، فهم وحدهم المنتفعون، يوم توضع أعمال العباد في ميزان الربح والخسارة في اللحظات التي لا ينفع فيها المال والينون الا من اتى الله بقلب سليم. فكما يعيش المؤمنون الصائمون شموخ الارتباط القريب بالله سبحانه، حيث انفاسهم تسبيح، ونومهم عبادة، ودعاؤهم مستجاب، وشمولهم بضيافة الله تعالى، في شهر الله، شهر رمضان المبارك، فانهم يشمخون ايضاً بعطر الذكريات العزيزة التي ارتبطت بتاريخهم المجيد. ففي شهر رمضان.. انزلت القدرة السرمدية، أعظم كتاب سماوي للانسان الخليفة.. هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.. لذلك فهي مناسبة للاحتفاء السماوي والارضي, السماء تنزل بركاتها وألطافها على الانسان.. وفي المقابل فان الانسان الصائم، يحتفل بها ايضاً شاكراً أو معظماً ومتبتلاً، ومتذكراً، وخاشعاً لله، بالصورة التي يهتز لها كيان المؤمن، ويقشعر جلده من ذكر الله وذكر آياته. وفي شهر رمضان.. عاش المسلمون مع رسول الله (ص) أروع الانتصارات، هزيمة المشركين الأولى والكبيرة في معركة بدر التي وقعت في السابع عشر منه.. بتلك القلة المجاهدة على الكثرة المستعدة للحرب.. في السنة الثانية من الهجرة. وفي شهر رمضان، فتح المسلمون بقيادة رسول الله (ص) مكة، معقل الشرك، وعاصمة الكفر في الجزيرة في وقتها.. وبها دخل الناس أفواجاً في دين الله، وبسط الاسلام سلطانه بعدها بقليل، على كلّ المنطقة في الجزيرة العربية.

ارسال التعليق

Top