إن عادات الطفل تتاثر كثيراً بخبراته وتجاربه القليلة في المنزل مع اسرته ومن نتائج هذا الخجل انه يحرمه من إقامة علاقات مع أقرانه ويتجنب الاتصال بهم ويحرم نفسه من تعلم عادات جديدة منهم وهو ما يؤدي به الى الميل للعزلة والانطواء وأثبتت الدراسات النفسية المتعلقة بالطفولة ان الخجل الشديد عند بعض الاطفال يعوقهم عن التفاعل الاجتماعي ويحرمهم من فرص النمو والتعبير عن الذات.
تتولد لدى الطفل مشاعر الخجل من عدة اسباب نفسية داخلية يستشعرها هو أولا ويعزز هذا الشعور المحيطين به من أفراد أسرته فمن هذه المشاعر هو النقص بسبب ملابسه الرثة لانه من أسرة فقيرة أو به عاهة خلقية أو تاتأة في الكلام أو صعوبة في السمع، ربما لا توجد هذه التشوهات بل وجود الاحساس الداخلي لديه وهو شعوره انه ليس جميل واعتاد أن يسمع هذه الكلمات تتداول بين أفراد أسرته بأنه غير وسيم وإن منظره الخارجي غير مرتب فتترسخ في ذاكرته الندية هذه الالفاظ حتى تتشكل مع تكوين شخصيته في سنواته الاولى، وبما إنه لم يتعلم بعد اسلوب الرفض والتمرد فإنه ينصاع ويمتثل حتى تبدو وكأنها شئ صحيح فيه، أدركها من الاخرين المحيطين به داخل الاسرة ويحق لنا أن نقول إن العادات الخاطئة المكتسبة لدى ابنائنا تؤدي الى "الخجل ، أو قضم الاظافر، أو مص الاصبع، أو السمنة المفرطة، أو التبول الليلي في الطفولة المتأخرة، أو الإمتناع من الذهاب الى المدرسة، أو الغضب،أو العناد، أو عدم الثقة بالنفس، أو الخوف من أشياء وهمية .. الخ " ما هي إلا المعبر الظاهري عن عادات الاسرة ومرضها وربما كان هذا الطفل الخجول أو العنيد أو الغاضب دائماً الذي يقضم أظافره باستمرار هو أكثر أبناء الاسرة ذكاءاً ووعياً وحساسية ورغبة في النمو السريع واعراضه هذه ليست إلا دليلاً على صدق رغبته وان احباطات الاسرة المستمرة بشكل شعوري أو لا شعوري له أدت الى أن تحجر على ما يريد أن يعبر عنه فظهرت مثل هذه الاعراض .
إن الطفل الذي يحصر تفكيره حول ذاته سينشأ لديه الكثير من الصراعات وان جميع أنواع هذه الصراعات الخاصة بالطفولة الاولى والتي لم تحظ بتوفيق وحل تظهر في المراحل اللاحقة في مرحلة المراهقة والبلوغ لتشكل شخصيته مثل الزيادة في القلق وهي الشخصية القلقة والزيادة في الحساسية والافراط بها لتصبح بعد ذلك الشخصية الحساسة والزيادة في الشك بنفسه وبقدراته وبالاخرين حتى تتشكل الشخصية الشكاكة أما اذا كان عصبي المزاج، سهل الاستثارة فتكون شخصيته أميل الى الشخصية المتفجرة، أما اذا كان الخوف هي السمة السائدة في شخصيته مع التردد فتكون الشخصية الرهابية أو الفوبيا أو لديه مخاوف عالية ومنها المخاوف الاجتماعية ويغلب عليه الخوف من التعبير عن نفسه وعن رغباته كما يبدو متردداً دائماً وخائفاً ومبتعداً عن الاخرين ومتشككاً فيهم.
حينما يكبر الطفل الخجول ويصبح راشداً تكون شخصيته في الأغلب هي الشخصية المكفوفة وتتميز هذه الشخصية في إنها تجد التعلق والحب الموجه للموضوع الخارجي هو الذي يغلب على سلوكها وإن كان مغلفاً بالخوف وبالتالي بالانطواء، أما العدوان والمشاعر المرتبطة به فتكون مكبوتة تماماً وموجهة الى الداخل "داخل ذاته" فتكثر لدى مثل هؤلاء وهم كبار قرحة المعدة أو عند البعض مشكلات في القولون بسبب الكبت أو عند البعض البهاق أو أمراض جلدية أخرى أو أمراض أخرى سببها نفسي ونتائجها جسدية وهو ما يطلق عليه " الاضطرابات النفسجسمية" .
إن تكون الخجل في الطفولة يترك آثاراً سلبية على شخصية الفرد في البلوغ فصفات الخجل والخوف والكبت لا تزول بسهولة ولكنها تستمر فلا يقف القصور هنا عند القدرة على التعبير عن المشاعر والرغبات بل يمتد الى عملية الوعي بهذه المشاعر مع صفات اخرى مثل البرود العاطفي والانطواء الشديد وهي بالحقيقة كانت في الطفولة مظاهر خوف شديد بها موضوعات داخلية خيالية يتعامل معها وهو طفل، أما في البلوغ فتاخذ صور أخرى مثل الميل الى الخيال وربما يؤدي ذلك الى تحويل اهتمامه الى الفن والقراءة وحب الطبيعة فيهتم بهذه الموضوعات اكثر من اهتمامه بالاشخاص كما يقول "د. محمد شعلان" . إن الشخص الخجول في الطفولة يكون منعزلاً في الرشد وتتصف علاقته بالاخرين دائما بالسلبية والخلو من الانفعال . وتؤكد الدراسات النفسية التحليلية إن الطفل المهمل في طفولته يأبى ان يتخذ له مكاناً في المجتمع، إنه يعجز أن يضبط دوافعه الغريزية ويتحكم فيها وتقول " انا فرويد" إنه لا يستطيع أن يحول جزءاً كافياً من طاقة غرائزه لكي يوجهها الى تحقيق اهداف يقدرها المجتمع في البلوغ .
إن الخجل في الطفولة يترك لدى الفرد بثور في شخصيته منها عدم الاتزان، ويكون ذي عزيمة منهكة وأعراض اخرى، إنه تعرض لنوع من البتر في نموه النفسي وبالتالي لما وصل الى مرحلة الرشد الناضج وجد نفسه مكبلاً في بقايا الطفولة التي تركت الاثر الضار للكبت المتزايد في شخصيته.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق