• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الأسرة والمجتمع/ج(2)

أ. د عبدالكريم بكار

الأسرة والمجتمع/ج(2)

◄أشكال الإحسان إلى العباد كثيرة، وقد يكون من أهمها غمر نفوسهم بالسرور وبعث الحماسة في عزائمهم، حيث إنّ السرور يجعلنا نشعر بمعنى الحياة، وحيث إنّ الحماسة شرط لتحقيق كلّ المنجزات العظيمة.

هدية بسيطة غير متوقعة تؤثر في النفوس أكثر بكثير من هدية عظيمة متوقعة، وهذا يجعلنا نحاول تعلم صناعة المفاجآت السارة لأولئك الأعزاء على قلوبنا.

نجاح الواحد منا في قيادة أسرته يحتاج إلى العديد من الشروط والصفات، لعلّ من أهمها: مشاورة المميزين من أسرته في كلّ شؤونها بالإضافة إلى الحرص الشديد على مصلحة الأولاد، إلى جانب نكران الذات والقدرة على التضحية المستمرة.

يظل التحفيز والتشجيع شيئاً جيداً ومطلوباً، لكن علينا أن نحذر من الإسراف في ذلك، فنمنح الألقاب لمن لا يستحقها، لأنّ هذا يجعل التشجيع في النهاية خالياً من المعنى، كما أنّ المبالغة هي بوابة الكذب.

طريق العظماء واضح الملامح، ومن أهم ملامحه التخلص من الأنانية والإفراط في حب الذات، وحين يحصل الإنسان على ذلك، فإنّه يشعر أنّه مسؤول عن صحوة جميع الأُمّة والنهوض بجميع أبناء الوطن، وهذا الشعور هو الذي يفجِّر ينابيع الخير في النفس البشرية.

إذا عاملنا الناس على ما هم عليه، فقد نحتقرهم، وقد نسيء إليهم، وإذا عاملناهم كما نحب أن يكونوا، فإننا سنساعدهم ونعطف عليهم ونفرح لفرحهم.

إذا كان استمرار التنفس شرطاً لبقاء الجسد على قيد الحياة، فإنّ استمرار الاتصال بالناس والتفاعل معهم يعدُّ شرطاً لتجديد الشخصية وتألق النفس.

نحن نحب عدم التكلف، ونعشق البساطة والسهولة، لكننا نخشى نقد الناس، لكن علينا أن نوقن أنّ الإغراق في مراعاة الشكليات والمظهريات، يقتل شيئاً رائعاً في حياتنا، هو العفوية والتلقائية.

أعظم هدية نقدمها للأسرة والمجتمع هو أن نبني بيئة منزلية صالحة، وبناؤها يتطلب جهداً يومياً على صعيد الالتزام بأمر الله تعالى والمبادرة إلى الخير وضبط اللسان وإشاعة الألفة والمودة.

القلوب بيد الله سبحانه ولهذا فقد يميل قلب أحدنا إلى شخص وينفر من شخص آخر، ولا شيء في هذا، لكن الذي يعبِّر عن نوع من التوحش هو تجاهل الآخرين والاستخفاف بهم دون أي شعور بالغلط أو التقصير.

إنّ من عدل الله تعالى في عباده أنّ المرء لا يستطيع أن ينعم بالطمأنينة وهو ينشر الكراهية بين الناس، كما أنّه لا يستطيع أن يؤذي الآخرين من خلال احتقاره لهم دون أن ينال حظه من احتقارهم له، وهذا يؤشِّر إلى أهمية صفاء القلب وطيب النفس وحب الخير للخلق.

إنّ الإفراط في الضغط على الناس كي يصبحوا فضلاء لا يأتي بأي نتيجة إيجابية، لكنه يحوِّل الأخطاء المعلَنة إلى أخطاء مخفية، وإنّ الدعوة والتربية والتثقيف الجيد هي التي يمكن أن تقوم بالمهمة على الوجه الصحيح.

إنّ الستِّير من أسماء الله تعالى وإنّ التخلق بهذا الخُلق يقتضي من المسلم أن يستر نفسه إذا ابتلي بمعصية، ولا يجاهر بها فيجرِّئ الناس عليها، كما يقتضي الستر على المسلمين والبعد عن إشاعة الفاحشة بينهم.

حياتنا الاجتماعية أشبه ببحيرة صغيرة، يرفدها الناس بأعمالهم، فمنهم مَن يصب فيها ماء الورد من خلال العطاء والاستقامة والتسامح، ومنهم مَن يلوِّثها بالمياه القذرة من خلال المعاصي وأكل الحقوق والجفاء، ولكلّ واحدٍ منا أن يسأل نفسه: إلى أي الفريقين ينتمي؟

لدينا أعداد هائلة من الناس، الذين يعانون من أمراض نفسية شائعة، وهم يرفضون الذهاب إلى طبيب نفسي خوفاً من كلام الناس، وإذا أردنا أن نحصي الأسر التي تفككت بسبب مرض نفسي، فربما وجدنا أنفسنا عاجزين عن ذلك، ولهذا فإنّ علينا محاربة العرف الخاطئ في هذا الشأن وحث من لديه مشكلة نفسية على الذهاب إلى متخصص، فالله تعالى ما أنزل من داء إلّا أنزل له دواء.

حاجات الناس الروحية لا تقل في أهميتها عن حاجاتهم البدنية، وإنّ أكثر ما يحتاجه بعضنا من بعض الاهتمام والتقدير والتشجيع، وإنّ الحرص على إسعاد مَن يكون في جوارنا يشكِّل نوعاً من أعظم أنواع الإحسان.

ليست هناك وسيلة للارتقاء بلغة الناس ومشاعرهم أفضل من أن نخاطبهم بلغة راقية تنم عن الاحترام والتعاطف والاهتمام.

لنجعل من مبادرة من نلقاهم بالسلام باباً لكسب الحسنات وإشاعة البِشْر على الوجوه الشاحبة.

بعض الناس يوجِّه الإهانة لجلسائه من حيث لا يشعر، وذلك حين يقول: لديّ فكرة معقّدة، سأحاول تبسيطها لكم، أو يقول: لدي مشروع كبير، لا أظن أنكم تستطيعون المساهمة فيه!

حتى يتقبل الناس نصائحنا، فإنّ علينا أن نسوقها لهم بأسلوب لطيف، ومن غير تعالٍ أو تكبر، وأن تكون سراً بيننا وبينهم.

دعاء الوالدين نوعان دعاء سببُه الشفقة والرحمة التي أودعها الله تعالى في قلوبهما، ودعاء سببُه الشعور بالامتنان لإحسان الولد إليهما، وهذا النوع من الجدير بالإجابة لأنّ فيه معنى الطلب من الله تعالى أن يكافئ عنهما من قد لا يستطيعان مكافأته، وإنّ السعيد الموفّق مَن يظفر بالكثير منه.

من المهم أن يتعامل الرجل مع زوجته على أساس أنها أهم من أولاده وأهم من عمله ولاسيّما إذا مرت بأزمة عاطفية أو مرضت، وإنّ من حقّ مَن يخدمك ويساندك في الشدة والرخاء، ومن ربط هناءه بهنائك أن يلقى منك الرعاية والعناية في كلّ حين.

إنّ من السنن الماضية في هذا الوجود أنّ العادة تغلب القناعة، ونحن نشاهد بأم أعيننا كيف أننا نخضع لعادات شخصية واجتماعية مضادة للعقل والمنطق والحكمة، وإنّ مسؤوليات أهل الوجاهة الاجتماعية تفكيك العادات الاجتماعية السيئة، ومن مسؤولية كلّ واحد منا أن يجاهد نفسه في ذات الله تعالى حتى يمضي وفق الحق والمنطق والمنهج العلمي.

الرجل النبيل هو الذي يترفع عن الدنايا وسفاسف الأمور، كما أنّه ذلك الشخص الذي يشعر عدد كبير من الناس بالخسارة حين يخسر، ويشعر عدد كبير من الناس بالأسى ومرارة الفقد حين يغادر.

عدوى الأرواح من عدوى الأجسام، ولهذا فإنّ من المهم أن نقلل من التفاعل مع اليائسين والمخفقين من الناس، فهؤلاء يحطمون الطموحات، أما الناجحون وأهل الهمم العالية فإننا إذا خالطناهم تولّد لدينا أمل عميق بإمكانية السير في طريقهم.►

 

المصدر: كتاب المسلم الجديد

ارسال التعليق

Top