◄"... وصاحب الأمر بالمعروف يحتاج أن يكون عالماً بالحلال والحرام، فارغاً من خاصة نفسه، مما يأمرهم به وينهاهم عنه، ناصحاً للخلق، رحيماً لهم، رفيقاً بهم، داعياً لهم باللطف وحسن البيان، عارفاً بتفاوت أخلاقهم، لينزل كلاً بمنزلته، بصيراً بمكر النفس ومكائد الشيطان، صابراً على ما يلحقه، لا يكافيهم بها، ولا يشكو منهم، لا يستعمل الحمية، ولا يغتاظ لنفسه، مجرداً نيته لله، مستعيناً به تعالى، ومبتغياً لوجهه، فإن خالفوه وجفوه صبر، وإن وافقوه وقبلوا منه شكر، مفوضاً إلى الله، ناظراً إلى عيبه" (مصباح الشريعة).
إنّ هذه الرواية المروية في مصباح الشريعة، وبغض النظر عن صحة نسبة هذا الكتاب إلى الإمام الصادق (ع)، فإنها حددت جملة من الأمور التي ينبغي أن يلتفت إليها الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر يوافق بعضها ما ورد في الروايات حولها وحول آدابها إضافة إلى اشتمالها على ما يرشد العقل إليه منها بعد التأمل، ولعلنا نستطيع ايجازها بما يلي:
1- خصائص وآداب علمية تشكل مقدمات نظرية وعلمية ضرورية لأداء الفريضة.
2- خصائص وآداب عملية (تتعلق بنفس أداء الفريضة من حيث تصرفات الآمر وحالاته).
3- خصائص وآداب سلوكية لها نحو دخالة في تقوية المؤثرية في عملية الأمر والنهي.
1- الخصائص العلمية:
المعرفة الشرعية:
ونقصد بها التفقه بما يتعلق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
إذ لو كان الإنسان جاهلاً بأحكام الشريعة من حيث حلالها وحرامها، أو مشتبهاً بذلك لأدى ذلك إلى احتمال أن يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، وبالتالي فسينتج عن عمله عكس ما هو مطلوب من تشريع هذه الفريضة؛ وفي رواية مصباح الشريعة: "أن يكون عالماً بالحلال والحرام".
معرفة أحكام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ولا شكّ أنّ عموم الجزء السابق من الرواية يرشد إلى هذه الخصيصة، فقد يصادف أن يقع الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بمعصية يخالف فيها حكماً شرعياً أثناء أدائه لهذه الفريضة، وربما تكون هذه المعصية أعظم عند الله مما يفعله الطرف المقصود بعملية الأمر أو النهي.
العلم بأحوال المأمورين:
وهذا من بديهيات أداء هذه الفريضة، حيث إنّ الناس تختلف طباعهم، وأمزجتهم، كما تختلف عاداتهم وتقاليدهم وآدابهم، وكذلك تختلف مقاماتهم ومستوياتهم العلمية والعقلية، إضافة إلى اختلاف السن من حيث الشباب والشيخوخة بما يفرض تنوّعاً ضرورياً في اللغة والأسلوب في التعاطي معهم وقد عبرت الرواية عنه بـ"عارفاً بتفاوت أخلاقهم".
2- الخصائص العملية:
أ- الالتزام بالمعروف وترك المنكر:
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 2-3).
تشير هذه الآية إلى أثر طبيعي يترتب على أمر الإنسان بما لا يعمل به ونهيه عما لا يتركه من المبغوضية لدى الله وبالتبع لدى الناس، وهذه المبغوضية الحاصلة من رؤية التعارض وعدم الانسجام بين قول الآمر وفعله تشكل معوقاً ومانعاً من موانع تأثير الأمر والنهي وبالتالي ستفتح المجال إلى الشك بالمأمور به والمنهي عنه، فكيف يكون خيراً ما يأمر به وهو لا يفعله وكيف يكون شراً ما ينهى عنه وهو يفعله.
وسيؤدي أيضاً إلى تعيير المأمور للآمر على ذلك مما يؤدي إلى توهينه وتوهين العمل والفريضة بالتبع.
وفي رواية أن رجلاً جاء بولده إلى رسول الله (ص) وكان كثير الأكل للتمر لينهاه (ص) عن ذلك فقال الرسول (ص) للرجل:
"إني اليوم قد أكلت تمراً فجئ به غداً كي لا أتناول التمر فيؤثر كلامي فيه"، ولكن هذا لا يعني أنّ الذي لا يكون ملتزماً بفعل المعروف وترك المنكر يسقط عنه التكليف بهذه الفريضة أو أن على الإنسان أن يكون ملتزماً بكل المعروف ومنتهياً عن كل المنكر ليجب عليه أداء هذه الفريضة، بل إن وجوب هذه الفريضة لا علاقة له بكلا الأمرين، وإنما الحديث عن تأثير العمل لا عن أصل التكليف بالفريضة.
قال بعضهم للنبي (ص): إننا لا نأمر بالمعروف حتى نعمل به كله ولا ننهى عن المنكر حتى ننتهي عنه كله فقال (ص): "لا بل مروا بالمعروف وإن لم تعملوا به كله وانهوا عن المنكر وإن لم تنتهوا عنه كله".
ب- مراعاة اللياقات الاجتماعية:
وهذا الأمر لابدّ منه في الكلام والتصرفات المرافقة لعملية الأمر والنهي؛ فخطاب الصغير يختلف عن خطاب الكبير وتفاوت طبقات الناس ومستوياتهم وأمزجتهم يفرض تفاوت اللغة والأسلوب وقد ذكرنا في الخصائص العلمية ضرورة المعرفة بتفاوت أخلاق الناس كما في الرواية، وليست هذه المعرفة إلا مقدمة علمية لأمر عملي هو مراعاة هذه الاختلافات من الخطاب إلى الأسلوب والعمل ولذا قرنت الرواية في صدر الدرس بينهما قائلة: "عارفاً بتفاوت أخلاقهم لينزل كلاً بمنزلته".
كنموذج على ذلك ما فعله الإمامان الحسنان – عليهما السلام – وهما طفلان مع الرجل المسن الذي لاحظا عدم إحسانه للوضوء بأن طلبا منه أن يكون حكماً بينهما ليحدد أي من الإمامين وضوؤه أصح ليكتشف بنفسه أن وضوء كل منهما هو الصحيح ووضوؤه هو الخطأ فيبادر إلى الإقرار بذلك ويقبل هذا منهما – عليهما السلام –.
ت- الرفق واللطف والرحمة:
يحتاج المؤدي لفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى فتح طريق القلب ليؤثر في المخاطب، ومن وسائل فتح هذا الطريق الرفق واللطف والرحمة التي ترتبط بين قلب الآمر وقلب المأمور وتزيل الحواجز من طريق كلمات الآمر لتفعل فعلها في نفس المخاطب ليأتمر وينتهي في الرواية: "رحيماً لهم، رفيقاً بهم، داعياً لهم باللطف" وقوله تعالى: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) (آل عمران/ 159)، ومن مصاديق ذلك (الرفق واللطف) أن يكون الأمر والنهي ما أمكن بطريقة غير مباشرة وربما بدون كلام أصلاً، فيكفي أن يعطي الإنسان بعمله وسلوكه الصورة الصحيحة ليتأثر به الآخرون وقد جاء في الحديث: "كونوا دعاة للناس بغير ألسنتكم ليروا منكم الورع والاجتهاد والصلاة والخير فإن ذلك داعية".
وإن لم يكن الفعل مؤثراً واحتاج الإنسان إلى الكلام، فمن الرفق واللطف اختيار الأسلوب الأمثل للتأثير فقد تكفي الكناية عن التصريح، كأن يروي الآمر الناهي لفاعل المنكر أو تارك المعروف قصة معبرة، أو يتلو آيات قرآنية وبصوت رخيم بما يكفي ليسمع المعني بذلك ولو لم يكن في حالة خطاب له ليلتفت ويتعظ ويتأثر.
وإذا لجأ إلى الخطاب المباشر فعليه أن يحسن اختيار كلماته وينقيها من المنفرات كالتعيير الذي سأل الإمام زين العابدين الله أن يوفقه لتركه في دعاء مكارم الأخلاق "وترك التعيير" وبالتالي فإن أهم مواصفات الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هي أن يكون لبقاً في أسلوب خطابه واضحاً في أسلوب بيانه، "لطيفاً بهم داعياً لهم بحسن البيان".
ث- الابتعاد عن المنفرات:
ومنها:
1- الغلظة والشدة والعصبية: في الرواية "لا يتغلظ".
2- المعاملة بالمثل: وهي أن يرتكب في حق من ينهاه نفس المعصية التي ينهاه عنها في الرواية "لا يكافيهم بها".
3- عدم الشكوى منهم: ولا يشكو منهم.
4- الابتعاد عن شوائب الأنانية: سواء كان ذلك في المصلحة الراجعة إلى الفعل أو الترك "فارغاً من خاصة نفسه" أي تبرئة نفسه من وجود المصلحة الشخصية له في ذلك أو استعمال العصبية "ولا يستعمل الحمية".
ويبتعد عن روح الإنتقام أو الاقتصاص لنفسه من المأمور المقصود بالخطاب "ولا يغتاظ لنفسه".
ولتمام ذلك لابدّ من إظهار هذه الروح بتصرف عملي يكون بشكر من يقبل أمره ونهيه، والصبر وعدم اصدار رد فعل مهين أو مؤذٍ بحق من لا يتقبل أو يتأثر بفعله أو قوله: "فإن خالفوه وجفوه صبر، وإن وافقوه وقبلوا منه شكر". ولنا أن نقول من الجميل جدّاً أن نكون وردة ترسل عبيرها لتعطر الأجواء، لكن الأجمل من ذلك أن نخلع من طريق المنجذبين أشواك الغصون.
3- الخصائص النفسية والسلوكية:
أ- التفاؤل والأمل وطرد اليأس:
صحيح أن وجوب الأمر والنهي مشروط باحتمال التأثير، ولكن هذا لا يعني أنّ القيام بهما على وجه الإطلاق غير مطلوب إلا مع تحقق هذا الشرط بل لابدّ للإنسان أن يكون صاحب أمل وتفاؤل بإمكان تغيير الواقع إلى ما هو أحسن بحسن الظن بالله وعدم اليأس من بقية خير في الناس، وذلك لأن هناك أمرين نفسيين خطيرين على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر:
الأوّل هو اليأس وعدم الثقة بالقدرة على التأثير، وهذا يؤدي إلى التقصير في أداء الواجب ويفوت الفرص حيث يؤدي إلى التردد وضعف الأسلوب.
والثاني هو استعجال النتائج الذي يصيب بالإحباط سريعاً ويحول دون استكمال خطوات الآمر ليصل إلى ثمرة عمله وهذا عين قلة الصبر وضعف القدرة على التحمل.
في الرواية "صابراً على ما يلحقه" وكذلك "فإن خالفوه وجفوه صبر".
والتفاؤل والأمل مع قدرة الاحتمال والصبر هي عدة كلّ جهد وعمل ليثمر وينتج، ولذا علينا البحث عن نقاط الخير وخصال الحمد في الناس علها تكون عوناً ومدخلاً إلى نفوسهم.
ب- إخلاص النية لله:
إنّ من مراتب التوحيد توحيد الله في المؤثرية والفاعلية، فالخلق محل فعله وهو المؤثر فيهم، ونحن بعملنا هذا الذي هو فريضة مقدسة نبتغي أمرين أحدهما الأجر والآخر رؤية أثر هذا العمل والنجاح فيه. والأجر من الله وحتى تؤجر لابدّ أن يكون العمل لله: "مجرداً نيته لله... ومبتغياً لوجهه" وحتى نؤثّر لابدّ أن يعيننا فيفيض على فعلنا المؤثرية من له وحده الفعل والتأثير أي الله عزّ وجلّ. في رواية مصباح الشريعة: "مستعيناً به تعالى... مفوضاً إلى الله".
ت- الخبرة السلوكية:
ومعنى ذلك أن يكون الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر قد مارس عملية تهذيب نفسه لتحصل له من خلال جهاده لنفسه خبرتان، واحدة بمكائد الشيطان وتسويلاته، والثانية بالنفس ومكائدها وهواها، ليساعد بها المأمور ويعنيه على ذلك ويكون هو على جهوزية لما قد يواجه فعله من صدود الشيطان وإعراض النفس، في الرواية: "بصيراً بمكر النفس ومكائد الشيطان".
خاتمة:
إنتبه! حصّن نفسك:
إنّ الذي يقوم بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد يتعرض لإنعكاس سلبي بسبب كثرة ما يرى من الانحرافات والسوء عند بعض الناس، حيث تسول له نفسه أو يكيد له الشيطان فيرى لنفسه درجة على الناس ويعجب بنفسه وينظر إلى الناس نظرة استحقار ودونية، وهذا له أثران: الأوّل إضعاف المؤثرية بالآخر، والثاني على النفس، ففي حين يعمل الإنسان على تخليص الآخرين من أمراضهم يكون قد وقع بما هو أدهى وأعظم وهو العجب والكبر.
ولعله لذلك ورد في الرواية آنفاً "بصيراً بمكر النفس ومكائد الشيطان" ولعلاج هذه الآفة وتلافي هذا الانعكاس لابدّ من تذكير النفس بسوئها وبعيوبها كي لا تتعالى على المساكين ذوي المعاصي وتبتلى بمهلكة العجب ولذا قال في الرواية: "ناظراً إلى عيبه".
خلاصة الدرس:
من الخصائص التي تتعلق بالآمر بالمعروف الناهي عن المنكر:
1- خصائص وآداب علمية تشكل مقدمات نظرية وعلمية ضرورية لأداء الفريضة.
2- خصائص وآداب عملية (تتعلق بنفس أداء الفريضة من حيث تصرفات الآمر وحالاته).
3- خصائص وآداب سلوكية لها نحو دخالة في تقوية المؤثرية في عملية الأمر والنهي.
الخصائص العلمية:
أ- المعرفة الشرعية.
ب- العلم بحال المأمورين.
الخصائص العملية:
أ- الالتزام بالمعروف وترك المنكر.
ب- مراعاة اللياقات الاجتماعية.
ت- الرفق واللطف والرحمة.
ث- الابتعاد عن المنفرات.
الخصائص النفسية والسلوكية:
أ- التفاؤل والأمل وطرد اليأس
ب- اخلاص النية لله.
ت- الخبرة السلوكية.►
المصدر: كتاب حياة المجتمع/ سلسلة الدروس الثقافية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق