• ٢٣ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الإشاعة في المجتمع.. وقاية وعلاج

الإشاعة في المجتمع.. وقاية وعلاج

الإشاعات من أخطر الممارسات التي تؤدي إلى إضعاف المجتمع، فإذا انتشرت في مجتمع حدثت البلبلة، واستفحل الاضطراب العقلي والنفسي والسلوكي، وتشتتت الكلمة، وتباعد الإخوان بعضهم عن البعض الآخر بسبب التقاطع والتدابر، ويكون الرابح الوحيد في النتيجة هم أعداء الإنسانية وأتباعهم. ولا تخلو تلك الإشاعات عادة من أهداف ودوافع وخلفيات تترك آثاراً سلبية خطيرة...

  - آثار الإشاعات: أولاً: إشغال المسلمين عن أهدافهم الحقيقية، وهي تحكيم الإسلام في واقع الحياة، وتقرير مبادئه وقيمه في عقول أبناء المجتمع وفي عواطفهم وفي سلوكهم، ليصبح كل شيء إسلامياً إذا أمكن، ثم التوجّه إلى غير المسلمين وإرشادهم إلى الإسلام، والوقوف بوجه المؤامرات التي تستهدف الإسلام والمسلمين فكراً وسلوكاً، وتستهدف إضعاف الكيان الإسلامي وتمزيقه. وبالإشاعات ينشغل المسلمون بالقيل والقال، وينصرفون عن أهدافهم في معارك وانشغالات هامشية وجانبية لا حدّ لها ولا نهاية. ثانياً: انتشار الظواهر السلبية في المجتمع، كالقلق، والاضطراب، والبلبلة، والشك، والحيرة، والخوف، وإدخال اليأس في نفوس المصلحين والمبلّغين، الذين يخططون لإصلاح المجتمع وتغييره نحو الاستقامة والالتزام بالتعاليم الإسلامية. فحينما توجه لهم التهم، في تديّنهم، وفي إخلاصهم، وفي هدفهم، وفي أخلاقهم، وتشوّه سمعتهم وسمعة أبنائهم وبناتهم ونسائهم، فإن ذلك يؤدي إلى زرع اليأس في نفوسهم وظهور الهون عن اصلاح وتغيير المجتمع، وهم الذين يريدون صلاح المجتمع، فيبرز من يجابههم بالتشويه والتهم والطعن، وهذا أصعب وأشقّ شيء على نفوس المصلحين، فينصرفون رويداً رويداً عن مهمتهم مقتنعين بعدم جدوى الاصلاح في مجتمع لا يريد الاصلاح ويحارب المصلحين. ثالثاً: فقدان الثقة بالعاملين للإسلام من علماء ومثقفين، فإذا كثرت الإشاعات وتنوّعت، وتناقلتها الألسن، فإنها ستصبح في نظر المجتمع حقائق ووقائع، فيفقد ثقته بالعاملين للإسلام، ويفقد ثقته بنفسه وبمخلصيه، وهذه نتيجة طبيعية لفقدان الثقة بين أفراده المتكوّن منهم، وبهذا يفقد المجتمع الموجّه والمربّي له، ويبقى عرضه لكل المؤامرات المحاكة ضده من قبل أعداء الإسلام وأتباعهم، أو من قبل المنحرفين الذين لا يريدون الخير والصلاح لمجتمعهم. رابعاً: إبعاد المسلمين عن الإسلام الحقيقي، وتحويلهم إلى مسلمين لا يعرفون من الإسلام إلاّ اسمه ومن القرآن إلاّ رسمه، عن طريق التشكيك بصحة الرسالة ومقوّماتها الأساسية، والتشكيك بصلاحية الإسلام لكل العصور وشموله لكل جوانب الحياة، واقناع المسلمين بجمود الإسلام وعدم تطّوره، ثم ربطهم بمفاهيم غير إسلامية واسنادها إلى الإسلام المتطور والروح العصرية! والتشكيك بشخصيات المسلمين التاريخية، فإذا حدث التشكيك استطاع المتربّصون بالإسلام ادخال مفاهيمهم إلى عقول المسلمين أو جعلهم بلا دين، أو حصر الدين بعلاقة فردية بين الإنسان وخالقه بعيداً عن الحياة العملية واليومية للإنسان. خامساً: تمزق الصف الإسلامي، إذ إنّ الإشاعات تؤدي إلى البغضاء والشحناء والخصومة، فينقسم الصف الإسلامي إلى كتل وتيارات متناحرة ومشتتة، بين الناقلين للإشاعات والمكذّبين لها، وبين ناقلي التهم والأكاذيب، والدافعين لها، وقد يمارس المخالفون للإسلام وأتباعهم والمغرّر بهم أعمالاً ثم ينسبونها إلى هذه الجماعة أو تلك ليزيدوا من الخلاف ويوسّعوا دائرة النزاع، ويحوّلوه من خلاف ونزاع نظري إلى ممارسة عملية بالألسن والأيدي والمواقف العملية! ولا تنحصر الإشاعات بنوع واحد وأسلوب فريد، بل تتنوع وتتناغم مع مفعولها وتأثيرها السلبي على المجتمع والأفراد، ويعمل لنشرها وتنويعها شياطين الجن والإنس ليوسوسوا في صدور الناس خصوصاً المسلمين.   - أنواع الإشاعات: أولاً: البهتان: وهو اختلاق التهم، والأكاذيب، والدسّ. ثانياً: الغيبة: وهي ذكر المسلم في غيابه، في عمل أو ممارسة خاطئة قام بها عن خطأ أو عمدٍ، ثم إشاعتها بين أفراد المجتمع. ثالثاً: تضخيم الأخطاء وتهويلها، وحينما يتناقل الناس الخطأ، فإنهم يزيدون فيه ويضيفون إليه من خيالهم، فتكثر الأقاويل حول الخطأ الواحد ليصبح أخطأ عديدة، والحادث الواحد قد يصبح أحداثاً عديدة. رابعاً: التفسيرات الخاطئة للآراء وللأقوال وللأعمال التي يقوم بها الفرد أو المجموعة من الأفراد، فتنقلب الآراء إلى أضدادها، والأقوال إلى غير الوجهة التي قُصدت، وتنقلب الأعمال من أعمال صالحة إلى أعمال طالحة.   - مر وّجو الإشاعات والأوساط الناقلة لها: أولاً: أعداء الإسلام، من الكفار والمشركين والملحدين، ومن الطامعين في بلاد الإسلام. ثانياً: عملاء أعداء الإسلام، من المنافقين الذين يظهرون الإسلام ويوالون أعداءه. ثالثاً: المتأثرون بالأفكار والشخصيات غير الإسلامية، والمنبهرون بها. رابعاً: الجهلاء، وهم على قسمَين: الجهلاء المنحرفون، والجهلاء الطيبون، الذين تدفعهم سذاجتهم لنقل الإشاعات دون أن يعوا حرمتها وأخطارها. خامساً: المنحرفون، نتيجة عدم التقوى، وعدم الخوف من الله، والفاقدون للضمير، والمتربون تربية خاطئة. سادساً: أصحاب المعايب، الذين يفرحون بإشاعة الأخطاء والعيوب ليترك المجتمع متابعة عيوبهم، وينشغل بعيوب الآخرين المفتعلة أو غير المفتعلة. سابعاً: أصحاب الأهواء والمصالح الشخصية. ثامناً: المخالفون لبعض الأفراد والتجمعات، والذين يريدون اضعافهم فتدفعهم عصبيتهم إلى نقل الإشاعة أو افتعالها. تاسعاً: محبو اللهو واللعب والهزل واللامبالون، والذين لا عمل لهم إلاّ القيل والقال، ومتابعة الأخبار والروايات والأحداث وترويجها أو تحريفها. عاشراً: أصحاف العقد والأمراض النفسية، كالحاسدين والحاقدين، والمتكبرين، والأذلاء ومحبي الشغب والعدوان.   - نماذج من الإشاعات في الواقع العملي: تختلف وسائل الإشاعات والدعايات ضد الجماعة المسلمة، فأحياناً تكون موجهة إلى العقيدة نفسها، وأحياناً موجهة إلى قيادتها وأصحابها. وتختلف وسائل التشويه والإيذاء لسمعة الجماعة المسلمة ولمقوّماتها الأساسية، في أهدافها وأغراضها، وفي أعمالها وممارستها، وهذه نماذج من الإشاعات ووسائل التشوية: أولا[1] الإشاعات الموجّهة ضد العقيدة والتشريع الإسلامي: 1- بعضهم يهاجم الدين صراحة ويقول إنه بقية من الماضي المظلم. 2- بعضهم يقول إن الدين أفكار سامية جميلة ولكنّ ما فيه من تشريعات وتوجيهات قد نزل لعصر معين. 3- بعضهم لا يذكر اسم الدين، وإنّما يهاجم المفاهيم الدينية بحجة أنها مفاهيم لا علاقة لها بالدين. 4-وبعضهم ينسب إلى الدين كل ما يريد بثّه من أفكار، بحجة مرونة الدين وصلاحيته في كل عصر، فهو يبيح الاختلاط مثلاً! 5- وبعض المضلَّلين المخدوعين يكتبون بإخلاص عن وجوب تطور الدين.   - ثانياً: الإشاعات الموجهة ضد قادة وأئمة الإسلام: 1- اتهام الرسول الأكرم (ص) بالجنون والسحر والكذب، وأنّه (ص) أخذ القرآن وتعلّمه من بعض الرهبان، واتهامه بتطليق زوجة زيد لغرض الزواج منها، واتهامه بأنه كثير الشهوة، واتهامه بقراءة بعض الآيات التي أسمعها له الشيطان كما في كتاب (الآيات الشيطانية)، واتهام بعض زوجاته بالفاحشة! وقد كرّمه الله تعالى ونزّهه عن كل ذلك. 2- اتهام الإمام علي (ع) بحبّ السلطة والنزاع لأجلها، وأنه ليس سياسياً. 3- اتهام الإمام الحسن (ع) بالجبن وكثرة الزواج والطلاق! 4- اتهام الإمام الحسين (ع) بأنه طالب سلطة، وأنه خرج على الإمام زمانه وشقّ عصا المسلمين! 5- اتهام العلماء بالعمالة، واتهام ذويهم بالانحراف والفسق.   - ثالثاً الإشاعات الموجّهة ضد الممارسات والأعمال الإسلامية: 1- اتهام الإسلام بأنه انتشر بحدّ السيف، وانتشر بالقوة والإرهاب. 2- تضخيم الأخطاء التي ارتكبت في حروب الردّة أو في قتال مانعي الزكاة، كما يؤرّخ المستشرقون، بأن هنالك أنهاراً من الدم قد أهرقت فيها، والواقع أن عدد القتلى كان قليلاً. 3- اتهام المذاهب الخمسة بمعاداة بعضهم للبعض الآخر، واتهام بعضهم بالارتباط المطلق بالسلطات القائمة آنذاك. 4- اتهام أصحاب فكرة التقريب بين المذاهب بالمساومة على أساس المذهب المنتمين له، والتنازل عن متبنياتهم الأساسية. 5- اتهام بعض المصلحين – من دون تحقّق – بالتوجّهات العنصرية والاشتراكية والرأسمالية وغيرها! 6- اتهام العاملين للإسلام بعدم الإخلاص والنزاهة، وبالعلاقات المشبوهة ببعض الدوائر الغربية، واتهامهم جميعهم بالإرهاب.   - الوقاية والعلاج: إن الوقاية من ممارسة الإشاعات، ومن تأثيرها على المجتمع ووضع العلاج لها، مهمة شاقّة ومسؤولية عسيرة، تقع بالدرجة الأولى على عاتق علماء الدين ووكلائهم، وعلى أئمة الجمعة والجماعة وعلى جميع المبلّغين للإسلام، وعلى المثقّفين من كتّاب ومؤلّفين وصحافيين وإعلاميين، ومن أساتذة ومعلّمين في المدارس الدينية والأكاديمية، وعلى مسؤولي الجمعيات والهيئات الدينية، لأنهم أكثر وعياً وإدراكاً للأحداث والمواقف والممارسات ونتائجها الإيجابية والسلبية على المجتمع. وأهم طرق الوقاية والعلاج هي أداء مسؤولية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وسط المجتمع، على أفضل الصور وأسرعها تأثيراً، وتتمثّل في الأعمال والنشاطات التالية: أولاً: وحدة الصف والاتفاق على النقاط المشتركة، والتعامل مع الفواصل الجزئية في الرأي وفي أسلوب العمل في حدودها الجزئية، مع إبقاء أسباب الودّ والحبّ قائمة في العلاقات والممارسات، وخصوصاً بين العلماء والمبلّغين والمثقفين، وسدّ الثغرات أمام مروّجي الإشاعات، الذين يجدون في الخلافات والخصومات مرتعهم الخصب، وإذا كان لا بدّ من الخلاف والخصومة، فينبغي أن يكون محصوراً ومستوراً، لا يطّلع عليه عوام الناس، فإذا كان العلماء والمبلّغون يتحرّجون عن التهم، فإن أتباعهم ليسوا على شاكلتهم. ثانياً: اليقظة والحذر من مكائد أعداء الإسلام وأعوانهم، وإيقاظ المجتمع وتحذيره من هذه المكائد. ثالثاً: معرفة مروّجي الإشاعات، وإبداء النصيحة لهم، ومحاصرة المعاندين منهم وكشفهم وإيقافهم عند حدودهم، بإبعاد المجتمع عنهم بالمقاطعة، وتكذيب ما يروّجونه وإن كان صدقاً. رابعاً: المبادرة إلى تكذيب الإشاعات وتوضيح خلفياتها وتبيان الحقائق بمختلف الأساليب كإلقاء الخطب وإصدار البيانات والمواقف والتصريحات المناسبة. خامساً: تربية المجتمع على القيم والأخلاق الإسلامية في التعامل والعلاقات الاجتماعية، وحضّه على الاستقامة في القول والعمل والسلوك، ويكون أسلوب التربية على مستويّين: المستوى العام: عن طريق الخطب التوجيهية والكتابة والبيانات. المستوى الخاص: عن طريق الاتصال الفردي بأبناء المجتمع، حيث يقوم العلماء والمبلّغون بهذه المهمة. ومن هذه القيم والأخلاق: 1- تعميق أواصر الأخوة: ويتم ذلك بترك الممارسات السلبية، والالتزام بالممارسات الإيجابية. قال رسول الله (ص): "لا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يحرمه ولا يخذله، فحسب المرء من الشرّ أن يحقّر أخاه المسلم"[2]. وقال الإمام علي (ع): "تتبنّى الأخوة في الله على التناصح في الله، والتباذل في الله، والتعاون على طاعة الله، والتناهي عن معاصي الله، والتناصر في الله وإخلاص المحبة"[3]. والإسلام أوصى المسلمين بالتراحم والتعاطف والتآلف والرفق وإدخال السرور بعضهم على قلوب البعض الآخر، والإيثار والإنصاف، والابتعاد عن كل ما يؤدّي إلى تكدير الصفاء والمحبّة والوّد، وأوصى الإسلام بالتغاضي عن الهفوات والأخطاء غير المقصودة، وإرشاد المخطئين.   2- التحذير من سوء الظن: سوء الظن من الأمراض التي تؤدي إلى بلبلة العقل واضطراب الحكم على الآخرين، فإذا تحوّل إلى واقع عملي ازدادت خطورته، وتحوّل الخيال والتصور إلى واقع، فتكثر الإشاعات والاتهامات البعيدة عن اليقين. قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ...) (الحجرات/ 12). وقال رسول الله (ص): "إيّاكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث"[4]. وقال الإمام علي (ع): "سوء الظنّ يدوي القلوب، ويتهم المأمون، ويوحش المستأنس، ويغير مودة الإخوان"[5].   3- التثّبت من كل خبر قبل نقله: التثّبت من كل خبر ومن كل رواية ومن كل حركة قبل الحكم عليها، وقبل تداولها هو منهج الإسلام الدقيق لكي لا يبقى للوهم وللشبهة أي مجال في التعامل وفي الحكم على الآخرين، فلا بدّ من التريّث والتثّبت في كل جزئية وكل ملابسة. قال سبحانه وتعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) (الإسراء/ 36).   4- عدم الأخذ بخبر الفاسق: الأصل في المجتمع الإسلامي أن يكون أفراده موضع الثقة، وأن تكون أخبارهم مصدّقة مأخوذاً بها، باستثناء خبر الفاسق، لأنه موضع شكّ وريبة، فلا يجوز الأخذ به حتى تثبت صحته، ولا يجوز نقله إن كان فيه ضرر على تماسك المجتمع وسمعة أفراده. قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات/ 6).   5- التحذير من إشاعة الفاحشة: حذّر الإسلام من إشاعة الفاحشة وهدّد من يشيعها بالعذاب الأليم. قال سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ...) (النور/ 19).   6- التأكيد على حرمة الغيبة ونتائجها السلبية: حرّم الإسلام الغيبة وهي كشف العيب المستور، أو ذكر المسلم بما يكرهه وإن لم يكن مستوراً، فجعل الإسلام ذلك بمثابة أكل لحم الأخر الميت. قال سبحانه وتعالى: (.. وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ...) (الحجرات/ 12). والغيبة أشدّ من الزنا كما قال رسول الله (ص) "إياكم والغيبة فإنّها أشدّ من الزنا..."[6]. وجعل الإسلام إحصاء الزلاّت ومتابعتها من أقرب المواقف إلى الكفر. قال رسول الله (ص): "أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرجل على الدين فيحصي عليه زلاّته ليعيّره بها يوماً ما"[7]. ولتتبّع عورات المؤمنين عقوبة مماثلة وهي انكشاف عورات المتتبعين وفضيحتهم في المجتمع كما جاء في قول رسول الله (ص): "من تتبّع عورة أخيه تتبّع الله عورته، ومن تتبّع الله عورته فضحه ولو كان في جوف"[8]. ويترتب على على الغيبة أثر عملي في يوم الجزاء، وهو ذهاب الحسنات، كما قال رسول الله (ص): "يأتي الرجل يوم القيامة وقد عمل الحسنات فلا يرى في صحيفته من حسناته شيئاً، فيقول: أين التي عملتها في دار الدنيا؟ فيقال له: ذهبت باغتيابك للناس وهي لهم عوض اغتيابهم"[9]. وأمر الإسلام بردّ الغيبة والدفاع عن المؤمنين ونصرتهم وتكذيب ما نسب إليهم، وجعل سامع الغيبة كالبادىء بها واعتبره شريكاً للبادىء في الاثم. قال رسول الله (ص): "والحاضر للغيبة ولم ينكرها شريك فيها ومن أنكرها كان مغفوراً له"[10].   7- التأكيد على حرمة البهتان: البهتان يجمع بين الغيبة والكذب، فالغيبة بنفسها حرام ويضاف إليها الكذب فتكون الحرمة أشدّ. روي عن رسول الله (ص) أنه قال: "هل تدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال (ص): ذكرك أخاك بما يكرهه، فقائل قال: أرأيت يا رسول الله إن كان ذلك في أخي؟ قال (ص): "إن كان فيه فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته"[11].   8- حفظ اللسان: اللسان غير المستقيم مصدر الشرور في المجتمع، ولهذا فقد أكّد الإسلام على حفظ اللسان وتوجيهه نحو الخير والإصلاح والفضيلة. قال رسول الله (ص): "أحب الأعمال إلى الله حفظ اللسان"[12]، "رحم الله امرئاً تكلّم فغنم أو سكت فسلم"[13]، "شرار أمّتي: الثرثارون والمتشدّقون المتفيقهون، وخيار أمّتي أحاسنهم أخلاقاً"[14].   9- الانشغال بعيوب النفس وإحصائها، والانشغال بمحاسبة النفس عن كل تقصير، والانشغال بأداء ما فات من عبادات: قال الإمام علي (ع): "أفضل الناس من شغلته معايبه عن عيوب الناس"، "كيف يصلح غيره من لا يصلح نفسه"، "من بحث عن عيوب الناس فليبدأ بنفسه"[15]. سادساً: خلق الأجواء التي تحفظ التديّن والتي يكثر فيها ذكر الله وذكر سيرة الأنبياء والصالحين، ويتم ذلك بالتحرّك الواسع بين أفراد المجتمع، وتكثير عدد المساجد والهيئات الدينية لتعليم قراءة وتلاوة القرآن والأدعية، وإقامة المسابقات في حفظ القرآن وحفظ الأحاديث، وعقد الجلسات للتعليم وللحفظ، وعقد الجلسات التي يذكر فيها سلوك الصالحين وقصصهم وأخبارهم، فإذا تمّ ذلك فإنّ أفراد المجتمع سيتوزّعون على المساجد، وعلى حضور الجلسات الدينية، والتشجيع على الاعتكاف والصوم المستحب إلى آخره من أعمال صالحة. سابعاً: لقاء من أشيعت عليه شائعة، والتأكّد من حقيقة الموقف، وعلى الشخص المستهدف أن يصحر بموقفه إن تطلّب الظرف ذلك، لأن الإصحار يقطع كثيراً من التهويلات والتساؤلات، ويسدّ المنافذ أمام مروّجي الإشاعات ويحدّ نشاطهم. ثامناً: من المهم في هذا المجال ردّ الأمر إلى القيادة الإسلامية الحكيمة والرشيدة لتعالج موضوع الإشاعة بعلم وحلم وحكمة ووعي قبل تسرّع عامة الناس بقبول أو رفض هذا الأمر، قال تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا) (النساء/ 83). وخلاصة القول إن علاج الإشاعات لا يتمّ إلاّ بإصلاح المجتمع وتغييره، لكي يبقى المروّجون فئة قليلة منبوذة من قبل المجتمع إلى أن تكفّ عن ترويجها وتعود إلى الاستقامة.   الهوامش: [1]- التطور والثبات في حياة البشر/ محمد قطب. [2]- المحجة البيضاء/ ج3/ ص329. [3]- تصنيف غرر الحكم/ ص422. [4]- المحجة البيضاء/ ج3/ ص325. [5]- شرح نهج البلاغة/ ج20/ ص280. [6]- إرشاد القلوب/ ص116. [7]- المحجة البيضاء/ ج3/ ص362. [8]- كنز العمّال/ ج3/ ص585. [9]- إرشاد القلوب/ ص116. [10]- م. ن./ ص117. [11]- شرح نهج البلاغة/ ج9/ ص67. [12]- كنز العمال/ ج3/ ص550. [13]- م. ن./ ص551. [14]- م. ن./ ص567.

[15]- تصنيف غرر الحكم/ ص234.

المصدر: مجلة نور الإسلام/ العددان 57 و58 لسنة 1995م

ارسال التعليق

Top