◄هو نوع من التكافل الاجتماعي يتمثل في جانب التوعية الاجتماعية التي يتحمل مسؤوليتها أفراد المجتمع في إبقاء القضايا الأساسية، حيّة في ضمير الجميع، لئلا يتعرض المجتمع إلى عملية التشكيك والتشويه فيما يؤمن به، أو يخضع لتأثيرات الضعف التي تتحداه بفعل الأزمات المتلاحقة، والعقبات الكبيرة التي تواجهه في الطريق الصاعد نحو الهدف، أو يستسلم لنوازع الأنانية الذاتية التي تؤدي به إلى الامتناع عن المشاركة الوجدانية والعملية للآخرين من أفراد المجتمع، كنتيجة طبيعية لانعدام الشعور العميق بآلام الآخرين ومشاكلهم، مما يؤدي إلى فقدان الرحمة في قلبه.. فكانت التوجهات الإسلامية التي تؤكد على ضرورة الملاحقة الدائمة لهذه القضايا من قبل أفراد المجتمع بصورة عامة كشرط من شروط الفلاح في الدنيا والآخرة، وكأساس من أسس القوة الاجتماعية، في حياة المجتمع واستمراره فطرحت، من خلال القرآن، شعار التواصي بالحقّ، الذي يمثل التوعية المتبادلة بالحقّ وضرورة إبقاءه حيّاً في وعي الإنسان وضميره.. لئلا يضعف تدريجياً، بما يطرأ عليه من عوامل الإهمال والنسيان بفعل أحداث الحياة المتلاحقة التي تشغل الإنسان عن أكثر الأشياء حيوية في حياته.
ثمّ طرحت – من خلال القرآن – التواصي بالصبر، باعتباره القوّة النفسية الضرورية التي تفرض قوّة الموقف في حياة الإنسان أمام الشدائد والأهوال والتحديات الكبيرة والمواقف الصعبة، فتحفظ له توازنه وتدفعه إلى التحمل والاستمرار في السير، بالرغم من كلّ الآلام والخسائر.
ثمّ كان شعار التواصي بالمرحمة، باعتباره الشعار الذي يحفظ للروح تفاعلها الدائم مع الآلام التي يعانيها الناس من خلال الأزمات الكثيرة، والمصائب الشديدة.. ليبقى الإنسان على صلة بالعنصر الإنساني في داخله، فتوقظ فيه الرحمة الوجدانية التي تنساب منها الرحمة العملية بالتعاون والتعاطف والمشاركة في كلّ الهموم والآلام الإنسانية، لتخفيفها أو إزالتها نهائياً من حياتهم جميعاً.
وهذا هو ما نلتقيه في الآيات الكريمة التالية:
1- (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).
2- (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ) (البلد/ 17-18).
وهناك نوع آخر من أنواع التكافل الاجتماعي، يتمثل في فرض الحقّ والمعروف في حياة الناس، وتوحيد الطاقات في هذا السبيل، لأنّ ذلك هو الطريق لبناء المجتمع على أساس متين.. فلو تركنا للأفراد الحرّية في أن يفعلوا ما يشاؤون، ويتركوا ما يشاؤون، لأصبح المجتمع خاضعاً لمزاج الأفراد في ذلك، في تقلباته وتحوّلاته، ولتحولت الحياة إلى مدّ وجزر يومي في سيطرة النظام وامتداده وقوّته.. الأمر الذي يهدد بالانهيار أو الانحلال الاجتماعي، لفقدانه لعنصر الضبط الذي يحفظ التماسك، ويحقق القوّة..
وعلى ضوء ذلك كان الأمر بالمعروف، من أشد الواجبات قيمة في التشريع الإسلامي.. في إقامة العدل من قبل الحاكم والمحكوم، وفي توفير الأمن وسيطرة النظام، والالتزام بالواجبات الدينية القانونية، الفردية والاجتماعية والمحافظة على العزة والكرامة، وفرض الجهاد على الأفراد، وغير ذلك من التشريعات القضائية والمدنية والعسكرية والعبادية والاجتماعية والاقتصادية. ممّا يجعل للجانب التنفيذي في الواجبات القانونية امتداداً في مسؤولية الناس تجاه بعضهم البعض، بنفس المستوى الذي يمارسون فيه مسؤوليتهم الذاتية تجاه أعمالهم خاصة..
وقد يقول قائل: إنّ إعطاء أفراد المجتمع حرية فرض الالتزام بالواجبات العامة والخاصة، يتنافى مع حرّية الأفراد الشخصية التي تقررها الوثائق العامة لحقوق الإنسان، فإنّها تمثّل الاعتداء المباشر الصريح على تلك الحرّية.
والجواب على ذلك، إنّ الإسلام لا يؤمن بالحرية المطلقة في ممارسة النظام، بل يؤكد على الحرّية الملتزمة التي تخضع للحدود المشروعة للرسالة والمجتمع، تماماً، ككلّ نظام يقوم على الفكرة الملتزمة، حيث تتلاقى حرّية الفرد بحرّية المجتمع في القضايا المشتركة، فتمثلان حرّية واحدة، وذلك على أساس أنّ إهمال الواجبات من جهة الفرد يعتبر بداية لإهمالها لدى المجتمع ككلّ، لأنّ بداية الانحراف الاجتماعي، انحراف فردي، ثمّ يسري إلى الآخرين بالعدوى والمحاكاة..
وأيضاً نوع آخر للتكافل الاجتماعي، يتمثل في الشعور بالمسؤولية تجاه أفراد المجتمع الذين يتعرضون لأي عدوان مهما كان نوعه، فإنّ من واجب المسلمين أن ينصروه ويدعموه بكلّ ما يملكون من وسائل الدعم والنصرة، ولو تقاعسوا عن ذلك وأهملوا.. فإنّهم يخرجون عن دائرة الأسرة الإسلامية، وبذلك جاء الحديث النبوي الشريف:
"من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم".►
المصدر: كتاب الإسلام ومنطق القوّة
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق