• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

عهد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

عهد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار

◄ما هو عهد المؤاخاة؟

في ظلّ الظروف الصعبة التي عاشها الوافدون إلى الدِّين الجديد، نتيجة البيئة القرشية المعادية آنذاك، وملاحقة المسلمين للتضيّيق عليهم، طلب الرسول (ص) من أصحابه من أهل مكّة الهجرة إلى المدينة، بعد أن أمَّن لدينه قاعدة فيها.

وقد ترك المهاجرون وطنهم وتجاراتهم وكلّ أموالهم، وساروا خلف نبيّهم، مُلبِّين النداء، ومُتَّجهين نحو المدينة التي هي موطن الأنصار.

وبعد أشهرٍ من الهجرة والابتعاد عن الوطن، قام الرسول (ص) بعد خطوة بناء المسجد في المدينة، بما يُسمَّى عهد المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وهو عهدٌ قائمٌ على أن يؤاخي كلّ رجلٍ من الأنصار رجلاً من المهاجرين، على أن يكون له سنداً وداعماً ومواسياً ومناصراً بالحقّ. وكان ذلك في الثاني عشر من رمضان، في السنة الأولى من الهجرة.

كيف تعامل الأنصار مع المهاجرين؟

استقبل الأنصار - الذين ينتمون إلى قبائل الأوس والخزرج - المسلمين المهاجرين أحسن استقبال، وساهموا في التخفيف من وطأة الغربة عنهم، فاستضافهم البعض في بيوتهم، بينما وهب البعض الآخر لهم بيوتاً وأراضي، حتى إنّ بعض الأنصار كان يُؤثر المهاجر على نفسه، وهو ما جعل الله يمدحهم في القرآن بآياته، ومنها قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر/ 9).

قيمة العهد

كان هذا العهد الذي أقامه الرسول (ص) بين المهاجرين والأنصار، تأكيداً للصلة الجديدة التي باتت تجمع المسلمين، وهي صلة الإيمان، التي تتفوَّق على أيّ صلة أُخرى، بحيث يكون التآخي انطلاقاً من الشعور الإيماني والعقيدة الدينية، بعيداً من العصبية التي كانت تجعل الانتماء إلى العشيرة فوق كلّ اعتبار، ولتسقط بذلك كلّ حميّة جاهلية، وكلّ الفوارق بين النسب واللون والعرق، ليصبح عامل الإيمان هو العامل الأساس في الربط بين الناس.

وبذلك، يكون الرسول (ص) قد وضع اللبنة الأولى، والدعامة الأساسية، لمجتمعٍ إسلاميٍّ قوي عادل متكافل، تربط بين أفراده رابطة الإيمان الصلبة والأخوّة الدينية، ويتساوى أفراده في الإنسانية، بعيداً من الأحقاد والضغائن، وبعيداً من الطبقية التي كانت سائدة في الجاهلية، ولتكون هذه الأرضية الصلبة، بداية الانطلاق نحو بناء الدولة والتغيير الذي جاء به الإسلام.

وهكذا، تحوّل المهاجرون والأنصار إلى أخوة يؤازرون بعضهم بعضاً، ويساعدون بعضهم بعضاً، ما خفّف من شعور الغربة عند المهاجرين، وجعلهم يشعرون بالراحة في البيئة الجديدة.

عدد المتآخين

قيل إنّ عدد المتآخين في البداية كان تسعين رجلاً؛ خمسة وأربعون من الأنصار، وخمسة وأربعون من المهاجرين.

مَن آخى الرسول (ص)؟

جاء في سيرة ابن إسحاق، وسيرة ابن هشام: "آخى رسول الله (ص) بين المهاجرين والأنصار، فقال: "تآخوا في الله أخوين أخوين"، ثمّ أخذ بيد عليّ بن أبي طالب (ع)، فقال: "هذا أخي". فكان رسول الله (ص)، سيِّد المرسلين، وإمام المتقين، ورسول ربِّ العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعليُّ بن أبي طالب (ع)، أخوين" .

ومن الذين تآخوا: حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة (مولى الرسول)، وأبو ذرّ الغفاري والمنذر بن عمر الخزرجي، وعمّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان... وإلخ.►

ارسال التعليق

Top