يُلاحظ بعض الأُمّهات أنّ ابنه، في سنّ الخامسة، لا يندمج في اللعب مع أقرانه، إذ هو غالباً ما يتسبب في الأذى لهم، ثمّ يُتبع ذلك بالبكاء وإلقاء اللوم على الآخرين! وللشكوى المذكورة والمكررة على ألسنة الأُمّهات مُسبّبات، يعدّدها الإختصاصي النفسي بمركز (أكت)، غالب أبو الفرج، في الآتي:
- عدم تفريغ الطاقة:
خلال سنّ المدرسة، يُعرف الطفل بالنشاط الزائد، مع ملاحظة قيامه بالجري والقفز والتسلُّق كلّما سنح له ذلك. ولذا قد يُسبِّب بقاؤه في مساحة مغلقة دون التفريغ عن الطاقة، ظهور هذا السلوك.
- الحرمان من العطف:
الطفل يتوق إلى حبّ والديه، والشعور باهتمامهما به واحترامهما له، بالإضافة إلى سماع مدحهما لسلوكه الإيجابي، وإيلائه مسؤولية تتناسب وسنّه. علماً بأنّ حرمانه من الاحتياطات العاطفية المذكورة يُولِّد العدوانية لديه، ويجعله قاسياً في تعاملاته وأقرانه، مع تعنيف الأخيرين والصراخ في وجوههم. وبالطبع، سيُقابل ذلك من أقرانه بطريقة سلبية، فيبدأ التعبير عن إحساسه بالظلم، معتبراً أنّ سلوكه مسموح به طالما أنّ الكبار يقومون بذلك. ولذا من الضروري أن يُخصص الوالدان، ولاسيما الأُم، وقتاً لمجالسة الطفل وملاعبته ومداعبته، لأنّ عكس ذلك سيجعله يفعل أي شيء مرذول للفت نظرهما. ومن المعلوم دور امتناع الأبوين عن إشباع فضول صغيرهما في كسب الخبرات وتحمّل المسؤولية في توليد السلوك العدواني، بغية تفريغ الكبت المذكور أو لتعويض إحساسه بعدم الثقة في نفسه.
- الاستمرار في نقده:
إنّ خضوع تصرُّفات الطفل للنقد من قبل والديه، بدون النظر إلى سلوكياته الإيجابية، قد يجعله يسلك مسلكاً عدوانياً في تفاعلاته وأقرانه، مع الإشارة إلى أنّ تكرار لومه ونعته بصفات سلبية (شقيّ مثلاً) يُكرِّس السلوكيات السلبية.
- المُسبِّبات البيئية:
قد يشعر الطفل بتسلُّط وقسوة إخوانه الذين يكبرونه سنّاً، أو مُعلِّميه، فتكون العدوانية رد فعل على إحساسه بالظلم.
- نصيحة الخبير:
يحتاج علاج سلوك الطفل العدواني إلى الهدوء وطول الأناة، مع الإشارة إلى أنّ بعض الآباء والأُمّهات يخطئ خطأً كبيراً في علاج عنف الطفل بالعنف اللفظي (السب والنقد والتعنيف والتهديد) أو بالعنف المادي (الضرب). وفي ما يأتي، خطوات مقترحة من أبو الفرج، عند ضرب الطفل لأقرانه:
- لا للضرب!
على الأُم أن تواجه الموقف بهدوء، وأن تُبعد يديّ صغيرها عن الطفل الآخر، مع النظر مباشرةً إلى عينيّ طفلها، وإخباره بأنّ من الخطأ ضرب الآخرين، وذلك بكلمات قليلة. فالطفل الغاضب ليس مُستعداً لسماع خطبة طويلة! وإنْ لم يهدأ هذا الأخير، على الأُم أن تغادر المكان بصحبة طفلها إلى آخر بعيد، وذلك حتى يهدأ صغيرها، ما سيعفيها من الاضطرار إلى التعامل مع الموقف أمام الآخرين. علماً بأنّ أعين الآخرين المراقبة تدفع بالراشدين أحياناً إلى أن يتصرّفوا وفق ما يراه هؤلاء صحيحاً، وليس وفق ما يقتنعون به!
- التعرُّف إلى مشاعره:
بعد أن يهدأ الموقف، على الأُم أن تحادث صغيرها في هذا الشأن، واضعةً في حسبانها أنّ للطفل الذي يضرب الآخرين سبباً لما يفعله، بدون أن يكون تصرُّفه مقبولاً ولذا عليها أن تعرف مُسبِّبات السلوك عبر إعطاء طفلها الفرصة لفهم مشاعره والتعبير عنها بكلمات بدلاً من استخدام الضرب لهذه الغاية.
- استراتيجيات بديلة:
هناك بعض الاستراتيجيات البسيطة التي يمكن للأُم أن تُعلِّمها للطفل كبدائل عن الضرب، وأبرزها أن يبتعد عن مَنْ دفعه إلى ضربه للتعبير عن رفضه لما حدث، أو أن يقول لا عندما يحدث ما يضايقه بدلاً من ضرب الآخرين. ومن الاستراتيجيات أيضاً، حثّ الصغير على ضرب الأرض بقديمه بدلاً من ضرب صديقه، أو تعليمه طلب المساعدة من الأهل عندما لا يقوى على أن يحل مشكلاته بنفسه، خصوصاً عند التعرض لمواقف صعبة.
إشارة إلى أنّ الإحباط يُمثِّل أحد مُسبِّبات العدوان ومشاعر الغضب في المدرسة، ومن أمثلته: منع المُعلِّمة الطفل من القيام بتصرف ما خلال الحصة الصفية، أو منعه من اللعب بلعبة يرغب بها أثناء الدرس، أو شعوره بالعجز عن مجاراة زملائه في بعض المهام الصفية، فيقوم بالعدوان لحاجته للتقدير والاحترام. كما أنّ ضيق الغرفة الصفية وإعاقة حركة الطفل يُولِّد الضيق والإحباط، وكذلك هي الغيرة من الأقران، الغيرة التي قد يُسبِّبها أحياناً تفضيل المُعلِّم(ة) لطفل آخر، والطفل يحتاج إلى الانتماء والحبّ والاحترام.
- سبب مقنع:
ماذا إنْ غاب السبب المقنع، الذي يُبرِّر تصرُّفات الطفل العنيفة؟ هل من عقاب مناسب له حينها؟
بعد أن تتحدّث الأُم مع طفلها، كما هو موضح أعلاه، عليه أن يدرك غلطته، وأن يعي أنّ تكرار سلوكه المرذول سيُعرِّضه للعقاب. وفي هذا الإطار، يجدر بالأب والأُم معاً أن يخاصما الصغير لمدّة تتناسب وسنّه ليشعر بفداحة الأمر.
* قاعدة في علم النفس
ثمة قاعدة في علم النفس ومهارات التربية، مفادها أنّ السلوك الذي نعطيه الانتباه والاهتمام يتكرر مع الوقت. وبالمقابل، إنّ السلوك الذي نتجاهله يختفي مع الوقت. بيد أنّ الآباء والأُمّهات، ومن حيث لا يقصدون، يفعلون عكس المطلوب، إذ نجدهم يعطون كلّ الاهتمام والانتباه لطفلهم عندما يسيء السلوك، في الوقت الذي يتجاهلون فيه السلوك الحسن أو لا يلاحظونه.
* يسرا فيصل
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق