• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

مراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

◄لما  كان وجوب الأمر والنهي متعلق بالغرض الذي لأجله تم تشريعهما، فإن هاتين الفريضتين يدور حكمهما مدار تحقق الغاية والغرض، إلا أنّه لابدّ من الإلفات إلى أنّه ليس المراد تحقيق الهدف والغاية من الأمر والنهي بأي طريقة وأسلوب، بمعنى أنّه للمكلف الحرية في اختيار الأسلوب وهو بالخيار بين ما كان ليناً وما كان شديداً، فهذا ليس صحيحاً، بل أنّ للأسلوب والطريق الموصل إلى الهدف وهو نشر وبث المعروف وقلع المنكر، أحكامه الملزمة حيث لا يجوز تعديها، والحاكم في ذلك قاعدة أنّه طالما أمكن تحقيق الغاية وهو التزام التارك للمعروف وإيتانه ما ترك وانتهاء الفاعل للمنكر عن الفعل بما هو لين وأقل شدة لا يجوز التعدي إلى ما هو أشد.

وقد قال الله تعالى لموسى وهارون: (فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) (طه/ 44).

وقد ذكر الفقهاء للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب لابدّ من رعاية تدرجها في الأمر والنهي عن المنكر مراتب لابدّ من رعاية تدرجها في الأمر كما يلي:

1-    المرتبة الأولى: مرتبة القلب.

2-    المرتبة الثانية: مرتبة اللسان.

3-    المرتبة الثالثة: مرتبة الفعل أو اليد.

ولنبدأ بالحديث عنها كما جاء ترتيبها.

 

1-    مرتبة القلب:

والمقصود بها: "أن يعمل الآمر أو الناهي عملاً يظهر منه انزجاره القلبي عن المنكر".

ومعنى ذلك أنّ المطلوب هو إظهار ما في قلب الناهي أو الآمر من حالة بغض ونفور من حالة ترك المعروف أو فعل المنكر بطريقة يفهم منها أنّه يدعوه إلى العودة عن ترك المعروف وفعله والانتهاء عن فعل المنكر.

ولابدّ من الالفات إلى أن بعض هذه الأعمال يكون أقل حدة من بعضها الآخر ولذا لابدّ من رعاية القاعدة أعلاه حتى في نفس المرتبة فيما كان أقل حدة من درجات مرتبة القلب وكان مؤثراً فلا يجوز التجاوز إلى ما هو أشد من نفس الرتبة.

وكذا يجب الاقتصار فيها على الدرجة الدانية فالدانية والأيسر فالأيسر سيما إذا  كان الطرف في مورد يهتك بمثل فعله فلا يجوز التعدي عن المقدار اللازم، فإن احتمل حصول المطلوب بغمض العين المفهم للطلب لا يجوز التعدي إلى مرتبة فوقه.

تنبيه:

لابدّ من الإشارة إلى أمر دقيق وهو أن إظهار التنفر القلبي واجب مشروط باحتمال التأثير وهو مرتبة من مراتب الأمر والنهي، لكنّ هناك واجباً آخر له علاقة بنفس الإنسان المؤمن وهو حرمة الرضا بفعل المنكر ووجوب بغضه سواء أمكن اظهاره أم لا، وهذا تكليف ليس مشروطاً باحتمال التأثير وعدمه ولعله لأجل حماية الإنسان نفسه من حالة قبول الانحراف والتعايش معه برضا.

 

2-    مرتبة اللسان:

وهي الأمر والنهي لساناً، والمقصود به الأمر للتارك للمعروف أو النهي لفاعل المنكر بواسطة الكلام بحيث يفهم منه الفاعل أو التارك الأمر والنهي؛ ولابدّ من التنبيه إلى أنّه لا يلجأ إلى هذه المرتبة إلا إذا لم يحتل التأثير باظهار التنفر القلبي وهو المرتبة الأولى:

لو علم أنّ المقصود لا يحصل بالمرتبة الأولى (مرتبة القلب) يجب الانتقال إلى الثانية (اللسان) مع احتمال التأثير.

ولهذه المرتبة كذلك درجات تختلف شدة وليناً فمنها:

أ‌)       الوعظ والإرشاد والقول اللين، ومع احتمال التأثير بها يجب رعايتها ولا يجوز تعديها إلى ما هو أشد.

ب‌) (الأمر والنهي) مع علم الآمر أو الناهي عدم تأثير الوعظ والإرشاد والقول اللين ينتقل إلى التحكم بالأمر والنهي ويجب أن يكون من الأيسر في القول إلى الأيسر مع احتمال التأثير ولا يجوز التعدي (لا سيّما إذا كان المورد مما يهتك الفاعل به).

ت‌) غلظة القول والتشديد (مع احتمال التأثير به وعدم احتمال التأثير بما ذكر أعلاه) بأن يشدد في الأمر وبالوعيد على المخالفة يجوز له ذلك بل يجب مع الاحتراز من الكذب.

 

تنبيهات:

أ‌-       لو كان بعض مرات القول أقل إيذاء من بعض مراتب اظهار النفور القلبي يجب الاقتصار على القول مع احتمال التأثير، كما لو كان القول اللين والوعظ أقل إيذاءً من العبوس والإعراض بالوجه يجب تقديم الوعظ والإرشاد مع انبساط الوجه بالقول اللين على العبوس والإعراض.

ب‌-  لو لم يمكن التأثير إلا بجمع بعض المراتب مع بعضها أو بعض الدرجات من مرتبة مع درجات من مرتبة أشد وجب، كأن لم يمكن التأثير إلا بالجمع بين العبوس والهجر مع الانكار باللسان والغلظة والتهديد ورفع الصوت فيجب ذلك.

 

3-    مرتبة الفعل:

أو ما يُسمى الإنكار باليد.

ولا يصار إلى هذه المرتبة إلا بالعلم أو الاطمئنان بأنّ التأثير لا يحصل بأي من المرتبتين الأوليين وله درجات.

1-    الحيلولة: بأن يحول بين الفاعل وبين المنكر بشرط كونها أقل محذوراً من غيرها، ومن صورها التصرف الفاعل كأخذ يده أو رده أو آلة الفعل كالتصرف في كأسه الذي فيه الخمر أو سكينه جاز بل وجب.

ومن صورها حبس الفاعل أو منعه من الخروج من منزله جاز بل وجب مع مراعاة الأيسر فالأيسر وينبغي في هذه الصورة الإستئذان من الفقيه الجامع للشرائط.

2-    الضرب والإيلام: الظاهر جوازهما مراعياً للأيسر فالأيسر وينبغي أخذ الإذن من الفقيه الجامع للشرائط

3-    الجرح أو القتل لا يجوز إلا بإذن الإمام (ع) على الأقوى، ويقوم في هذا الزمان الفقيه الجامع للشرائط مقامه مع حصول الشرائط.

ملاحظة:

التعدي عن المقدار اللازم: في دفع المنكر مع وجود ضرر على فاعل المنكر محرم، ويكون الناهي ضامناً.

حذارِ من الخطأ والتعدي:

لابدّ من لفت النظر إلى ضرورة التدقيق في الأحكام الشرعية من قبل الآخرين بالمعروف حتى لا يقعوا في المنكر أثناء وفي طريق أمرهم بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى لا ترتكب المنكرات باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحتى لا تؤدي إلى تنفير العاصين من الدين وأحكامه في وقت يفترض جذبهم إلى الدين والتدين، وأن لا يحمّل الآمرون والناهون أنفسهم أوزاراً يطالبهم الله بها وهم يعملون على استنقاذ الآخرين كالتجسس على الناس؛ أو يغلظ لهم ويسب ويشتم أو يضرب أو غير ذلك مع امكان التأثير بما هو أفضل وأجمل وألين.

وقد أشار الحديث الشريف التالي إلى ذلك قائلاً: "من كان آمراً بالمعروف ليكن أمره كذلك بمعروف".►

 

المصدر: كتاب حياة المجتمع/ سلسلة الدروس الثقافية (15)

ارسال التعليق

Top