• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حسن المعاشرة وتأثيرها الاجتماعي

حسن المعاشرة وتأثيرها الاجتماعي
◄بيّن الله سبحانه وتعالى، أنّ الناس جميعاً خُلِقوا من أصل إنساني واحد، فهم كفروع وأوراق الشجرة الضاربة في أعماق الأرض، أجزاء وأجزاء وأجزاء تكمل بعضها بعضاً.. كلٌّ يحتاج الآخر في معاشه وملبسه ومسكنه.. ومن حكمة الخالق عزّ وجلّ، أنّه حبب معاشرة الناس بعضهم لبعض بالحسنى وحب الخير.. فالإنسان جزء لا يتجزأ من مجتمع كبير، عليه أن يتعاون مع الآخرين لتثبيت وترسيخ العلاقات الاجتماعية الصالحة في المجتمع..

ويبدأ القرآن الكريم بالمعاشرة الزوجية، فيدعو الرجال إلى معاشرة زوجاتهم معاشرة صالحة، وتتبلور أهمية هذه الدعوة إذا ما علمنا أنّ المجتمع الجاهلي آنذاك كان يضع المرأة موضعاً واطئاً، ويعتبرها إنساناً ناقصاً كالمجنون والصبي، فجاء الإسلام ليدعو إلى معاشرتهنّ بالمعروف.. يقول تعالى في كتابه الكريم: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) (النساء/ 19).

ويدعو القرآن أيضاً إلى ضرورة انتقاء الأصدقاء المتقين، لأنّ الإنسان بحاجة في حياته الاجتماعية إلى صديق.. وخير صديق في الحياة هو الإنسان المؤمن الصابر، الذي يتحرج من إنزال الأذى بالناس وجرح كرامتهم، فهو أبداً متوجه إلى الله سبحانه وتعالى.. ويذكر التاريخ أنّ المؤلفة قلوبهم، عيينة بن بدر، والأقرع بن حابس، جاءوا إلى رسول الله (ص) فقالوا: يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيبتَ عن هؤلاء ورائحة جبابهم – يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف – جالسناك وحادثناك وأخذنا عنك.. فأنزل الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا[1] * وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ[2] يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) (الكهف/ 28-29). فأعاد القرآن للحياة الاجتماعية قيمتها الحقيقية، فالعلاقة الاجتماعية يجب أن لا تُبنى على الفساد والمصلحة الشخصية وحب الجاه والمال والتملق، بل إنّ رائحة الصوف المخدشة، للمؤمن الفقير، أحبُّ عند الله سبحانه من رائحة العطر عند الكافر المشرك أو الطاغية المتجبر.. فالعلاقة الاجتماعية في الإسلام تبنى على أساس الإيمان المشترك، بعقيدة التوحيد، ورضى الله تعالى.. وهذه هي العلاقة الحقيقية، لأنّ الإسلام يرى أنّ مقياس الحياة والموت، يتم بالقرب والبعد عن الله تعالى، فإنّ الحياة ليست بإشباع الغرائز الحيوانية (وإن كان هذا أمراً فطرياً)، ولكن الحياة الحقيقية هي حياة الإيمان والقلوب والضمائر، ولذلك فإنّ الله تبارك وتعالى أكّد على أنّ العمى وعدم رؤية الحقيقة، ليس ناتجاً عن عمى الأبصار بقدر ما هو ناتج عن عمى القلوب، وانطفاء بصيرتها.. وقد أمر القرآن الكريم بالإعراض عن الذين يعرضون عن ذكر الله، الذين يتركون العلم ويتبعون الظن وما تهوى الأنفس، ولو أنّ الإسلام أعطى هؤلاء حقوقهم من ناحية الجوار والمساواة في المجتمع، لكنه أمر المؤمنين بالإعراض عنهم، لأنّهم يعيشون في ضلال... يقول تعالى: (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) (النجم/ 29).

وتعرض كتب الحديث وسيرة الرسول (ص) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، الكثير من الأحاديث حول أهمية حسن المعاشرة وأهمية الصديق، نعرضها لأهميتها في توضيح الصورة.. والأحاديث التالية أغلبها منقولة عن الإمام الصادق (ع).. يقول (ع):

"أكثر من الأصدقاء في الدنيا، فإنّهم ينفعون في الدنيا والآخرة، أمّا الدنيا فحوائج يقومون بها وأمّا الآخرة فإنّ أهل جهنم قالوا: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم".

"استكثروا من الأخوان فإنّ لكلّ مؤمن شفاعة".

"من مؤاخاة المؤمنين إن لهم عند الله يداً يكافيهم بها يوم القيامة".

"لا تفتش الناس[3] فتبقى بلا صديق".

"من كثر تعتيبه قلّ صديقه".

"ومَن عاتب على كلّ ذنب دام تعتيبه".

"تقربوا إلى الله بمواساة إخوانكم"..

إنّ للأخوان حقوقاً سبعاً:

1-    أن تحبّ له ما تحب لنفسك وتكره له ما تكره لنفسك.

2-    أن تتجنّب سخطه، وتتبع مرضاته، وتطيع أمره.

3-    أن تعينه بنفسك ومالك ولسانك ويدك ورجلك.

4-    أن تكون عينه ودليله ومرآته.

5-    ألّا تشبع ويجوع ولا تروى ويظمأ، ولا تلبس ويعرى.

6-    أن يكون لك خادم وليس لأخيك خادم فواجب أن تبعث خادمك فتغسل ثيابه وتصنع طعامه وتمهّد فراشه.

7-    أن تبرّ قسَمه وتجيب دعوته، وتعود مريضه، وتشهد جنازته، وإذا علمت أنّ له حاجة تبادر إلى قضائها، ولا تلجئه إلى أن يسألك بها، ولكن تبادره مبادرة.►

 

المصدر: كتاب الأخلاق القرآنية


[1]- فرطاً: الفرط التجاوز للحقّ والخروج عنه من قولهم: أفرط إفراطاً إذا أسرف.

[2]- المُهل: قيل إنّه النحاس الذائب.

[3]- أي لا تستقصي عن كلّ كبيرة وصغيرة في حياتهم..

ارسال التعليق

Top